جنازة مهيبة في وداع الشرطي ضحية رصــاصة طائشة ببني ملال

نبيلة منيب في تصريح ناري..الحكومة مصرة على إصدار قرارات اننتحارية دمرت القدرة الشرائية للمغاربة

"دونور"...انطلاق تكسية الواجهة الخارجية وبطء في أشغال مرافق أخرى

الملك محمد السادس يتفاعل مع هتافات المواطنين لحظة وصوله الدار البيضاء

استنفار أمني بمحيط القصر الملكي بالبيضاء تحسبا لزيارة مرتقبة للملك محمد السادس

قافلة توعوية بشفشاون حول مرض السيلياك الخطير وآثاره على صحة المرضى

ماذا تحقق للقضية الامازيغية بعد مرور 20 سنة من حكم الملك محمد السادس ؟

ماذا تحقق للقضية الامازيغية بعد مرور 20 سنة من حكم الملك محمد السادس ؟

انغير بوبكر

بحلول نهاية شهر يوليوز من سنة 2019 يكون قد مر عقدين من الزمن على تولي الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية خلفا لوالده المرحوم الحسن الثاني . يصعب بكل موضوعية وبالدقة المطلوبة الاحاطة الشاملة بجميع المواضيع والمواقف والقرارات السياسية والتنموية التي كان فيها الملك محمد السادس فاعلا رئيسيا سواء على الصعيد الوطني او الاقليمي او الدولي خلال عقدين من الزمن السياسي المتموج والمتغير بسرعة كثيرة وفائقة، زمن مليئ بالاحداث السياسية الكبرى وطنيا ودوليا ، ولكن سنحاول قدر الامكان تناول موضوع عطاء الملك محمد السادس في مجال مخصوص وهو مجال الامازيغية و تشريفه للحقوق الامازيغية بالمغرب من باب شكر جلالته على رعايته وحرصه على اعادة الاعتبار للمكون الامازيغي ببلادنا .

 

فبكل موضوعية وتجرد يمكن اعتبار مرحلة حكم الملك محمد السادس مع حفظ الالقاب مرحلة هامة في تاريخ المغرب على الصعيد الديبلوماسي والحقوقي والتنموي والاقتصادي ، وانها مرحلة مميزة في تاريخ المغرب تتميز اساسا ببداية اعطاء الامازيغية مكانة متميزة في الطريق الطويل والمضني للاعتراف الشامل والكامل بالحقوق الامازيغية المهدورة لقرون زمنية خلت ، وسأذكر بعجالة مخلة بعض المواقف السياسية الكبرى التي طبعت عصر حكم محمد السادس المتسم بالاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية ومحاولات التخلص التدريجي من ارث الصراع السياسي والاقتصادي الذي عرفه المغرب وخصوصا الصراع الموروث عن دولة الاستقلال بين الحركة الوطنية والمخزن المغربي والسجل الحقوقي الثقيل الذي طبع المغرب منذ الاستقلال الى بداية التسعينات من القرن الماضي ، فاذا كان الملك محمد السادس قد استطاع تعميق التوجه الافريقي للمغرب وكسب مواقع ومواقف افريقية هامة بل وتصحيح اخطاء تاريخية في بعض الاحيان وارجع المغرب الى اروقة الاتحاد الافريقي معززا مكرما ، واذا استطاع الملك محمد السادس طي الصفحة الاليمة من صفحات حقوق الانسان ببلادنا عبر مقاربة شجاعة وبجرأة معتبرة عبر بوابة الانصاف والمصالحة والقطع مع المقاربة البصروية الامنية في تدبير الحياة السياسية المغربية ، فان الملك محمد السادس تميز اكثر من غيره باعطاء الامازيغ وحقوقهم مكانة مرموقة واساسية في استراتيجيته السياسية وتجاوزت المواقف الملكية معظم طروحات ومواقف الاحزاب السياسية من التعدد الثقافي ببلادنا ومنها بعض اطراف اليسار الذي امن بالعروبة و اعتنق الاقصاء والاحادية ، لذلك يمكن ان نعتبر بان القضية الامازيغية قد اخذت منحى جديد متقدم في مرحلة محمد السادس واصبحت قضية موحدة و مصدر اجماع سياسي داخلي بين جميع مكونات الطبقة السياسية والثقافية المغربية واحتلت مكانة متميزة في كل ادبيات الاحزاب السياسية المغربية وان كان بعضها غير مؤمن بها، لكن من باب الاستتباع واقتناص الفرص السياسية اصبح يؤمن بها ويتبناها . فلا يحتاج المرء لعناء كبير ليستنتج بان المراة والامازيغية هما الرابحين الرئيسيين من مرحلة محمد السادس .

فقد استطاع الملك محمد السادس ان يطبع مرحلة حكمه بقرارات استراتيجية اثرت على البنية السياسية والثقافية المغربية ، فقام بكل شجاعة وجسارة بتعديل مدونة الاحوال الشخصية واعطاء المرأة المغربية حقوق مهمة واساسية والتي ناضلت عليها المراة المغربية لعقود طويلة ، فانتزعت حقوق ماكانت لتحلم بها لولا تضافر ارادتين متكاملتين ، الاقتناع الحداثي للملك محمد السادس الذي غلب وتجاوز طابع المحافظة والعتاقة الذي ميز تعاطي الدولة التقليدي مع قضايا المراة المغربية ، فنجح في ان تخلد مواقفه التقدمية في قضية المراة في تاريخ المغرب دون ان نغفل التراكم النضالي الذي عرفته الحركة النسائية المغربية واتساع رقعة نضالاتها وتميز ترافعها القانوني والحقوقي وطنيا ودوليا مستثمرة عدة محفزات وامكانيات وطنية ودولية مساندة لقضية تحرر المراة .

ورش التعدد الثقافي واللغوي كان كذلك من الاوراش الهامة والقضايا الاساسية التي عرفت تحلحلا كبيرا و نتائج يمكن وصفها بالتاريخية في عهد الملك محمد السادس ، فبلادنا ورثت من الاستعمار نخبة سياسية واقتصادية تختلف في كل شئ الا في التعريب و التشريق ، عقليات سياسية وثقافية ناهضت اي نزوع مجتمعي نحو التعدد الثقافي واللغوي ، فظهرت على اثر هذا الانكار الواضح لنخب الاستقلال لحقوق الامازيغ بالمغرب وعي مديني اغلبه طلابي استطاع ان يعيد نقاش الحقوق اللغوية والثقافية الامازيغية الى الحياة الثقافية المغربية وان بشكل محتشم تحت تسميات النضال من اجل الثقافة الشعبية وتعرض النضال الامازيغي للقمع والتمهيش والانكار في السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات ، واعتبرت الامازيغية طابو من طابوهات المغرب الرصاصي لكن بفضل نضال الحركة الامازيغية والتغيير الذي وقع في هرم السلطة في نهاية التسعينات تغير موقع الامازيغية في المشهد الثقافي والسياسي تدريجيا . نعم استطاعت نخبة امازيغية مثقفة و متشبعة بالثقافة اليسارية ان تبدأ احياء حلقة مفقودة في الثقافة المغربية وان تحاول اعادة سؤال الهوية بالمغرب وتضرب بعرض الحائط كل المسلمات الثقافية الموروثة عن الاستعمار ، لكن في عهد الملك الحسن الثاني لم تستطع الحركة الامازيغية سوى ان تفرض نفسها دوليا وان تنتزع اعترافا رسميا جد محتشم وتغلغلا مجتمعيا متنامي الاطراف افرز عدة تنظيمات امازيغية منتشرة في كل التراب الوطني .

في الزمن الراهن زمن محمد السادس ، استطاعت الحركة الامازيغية ان تفرض نفسها كحركة فاعلة في النسيج السياسي والثقافي المغربي وان تراكم ادبيات هامة وان تقوم بنضالات مشهودة وتكسب شرعية مجتمعية غير قابلة للمصادرة والتفويت ، فاستطاعت الحركة الامازيغية ان تتفاعل بشكل ايجابي مع التوجهات الحقوقية والحداثية للملك محمد السادس في الاعتراف بالهوية الامازيغية للمغرب وبالتعدد الثقافي واللغوي ببلادنا ، اذ عبر الملك محمد السادس عن وجهة نظره من القضية الامازيغية في اول استجواب اجراه مع جريدة باري ماتش الفرنسية في اول اطلالة اعلامية له بعد توليه العرش مباشرة ، عندما قال ،بان الامازيغية بالنسبة له قضية وجدان وضمير وحقوق يجب الاعتراف بها ، هذا التوجه والنزوع الحداثي للملك محمد السادس توج بالقاء خطاب اجدير التاريخي في اكتوبر 2001 وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية وبداية تدريس اللغة الامازيغية بعد توقيع اتفاقية بين المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ووزارة التربية الوطنية سنة 2003 وتأسيس القناة الامازيغية سنة 2008 ولعل اهم مطلب تحقق هو ترسيم اللغة الامازيغية كلغة رسمية في البلاد سنة 2011 وهو قرار تاريخي شجاع من الملك محمد السادس، قرار تاريخي خلق رجة قوية بل للدقة نقول ثورة ثقافية في اذهان المغاربة والمغارب عموما واقبر الفكر العروبي الشوفيني في المنطقة بشكل رسمي وعلني ، وهذه الثورة الثقافية التاريخية التي ساهم فيها الملك محمد السداس الى جانب الحركة الامازيغية شكل صدمة للنخبة المغربية والمغاربية المتخلفة عن ركب التعدد الثقافي ببلادنا و استطاع ترسيم الامازيغية ان تعيد النقاش الهوياتي والثقافي الى عموم بلاد شمال افريقيا وجعل المغاربة يفتخرون بثقافتهم وهويتهم امام الملأ ويتحدثون الامازيغية جهارا نهارا بدون عقدة نقص او خوف من احتقار او تخالف ، مكتسبات المغرب الدستورية فرضت على الشعوب الجارة نفس الايقاع المطلبي وافضت الى ان يطالب الجزائريون والتوانسة والليبيون بنفس الحقوق وبنفس المطالب .

هذا المقال –الاعتراف بالجميل - ليس مدحا او تملقا للملك محمد السادس وللمؤسسة الملكية وهي ليست بحاجة اليه ابدا ، فهي قوية بانجازاتها و بموقعها الشعبي والرسمي انما هي حقيقة ناصعة نقولها من باب ان نعترف بان التلاقي والتحالف الموضوعي بين القوى الاجتماعية بمختلف مواقعها والمؤسسة الملكية التي اقتنصت الفرصة و ربحت الرهان اعطى ثمارا اساسية و قرب مساحات ومسافات كان من العسير اجتيازها في ما سبق ، صحيح ان الحركة الامازيغية راكمت نضاليا على جميع المستويات ونفعها خطابها التحديثي التنويري في كسب مودة وصداقة جميع الحداثيين بالمغرب ومنهم الملك محمد السادس لكن الاساسي من كل هذا وذاك ان التاريخ انصف الحركة الامازيغية بعد جهد جهيد، لكن يلزمها كحركة مدنية ديموقراطية تنويرية ان تحافظ على هذه المكتسبات اولا وان تتحول الى حركة اجتماعية مؤثرة مسلحة بالادراك العلمي و التخطيط المنهجي و التراكم التدريجي و الاقناع المتواصل لجميع طبقات وفئات وشرائح المجتمع ثانيا . كثيرة هي المكتسبات الحقوقية الامازيغية التي حققها الامازيغ المغاربة في بلدنا في عهد الملك محمد السادس ، ليس اخرها بالطبع المصادقة البرلمانية على قانون تنظيمي يقنن كيفيات واجال تنزيل الامازيغية وفق منطوق الدستور ، لكن يلزمنا ان نؤمن بان تقوية تنظيماتنا الامازيغية وتطوير وعينا اتجاه القضايا المختلفة بمنهجية حقوقية وتناول علمي تاريخي هي رهانات مابعد الترسيم والاعتراف الرسمي فالكرة اليوم لم تعد في شباك الاخر بل في شباكنا وعلينا ان نكون في مستوى المرحلة بتجاوز معيقاتنا الذاتية الكثيرة واستثمار المتوفر من مناخ مساند لنا .

 

بمناسبة الذكرى العشرين لاعتلاء محمد السادس عرش المملكة المغربية ، نتمنى له موفور الصحىة وطول العمر ومزيد من القرارات التنويرية والتحديثية التي ستنقل بلادنا لتكون في مصاف الدول الديموقراطية المتنورة ، كما ان المناسبة تقتضي منا ان نقول بان املنا كبير ان يتوج الملك محمد السادس عشريته الثانية في الحكم وان يصدر عفوه الكريم على معتقلي الحركات الاجتماعية بالمغرب ومنهم معتقلي الريف ليبدأ عهد مصالحات تاريخية جديدة في بلادنا ، وتتفرغ القوى الحية في بلادنا لبناء مغرب الديموقراطية والكرامة واشاعة ثقافة حقوق الانسان و تدارك الفوات التنموي والحضاري .


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات