لاعبو الوداد والرجاء يعلقون على نتيجة التعادل في ديربي الويكلو

الله ياخذ الحق..أول خروج إعلامي لعائلة التلميذ ضحية جريمة قتل بطنجة

سابيتنو ينتقد الحكم صبري بسبب عدم طرد لاعب الوداد ويؤكد: الخصم لم يكن يستحق التعادل

تكريم عدد من القضاة والموظفين السابقين بالمحكمة الابتدائية الإدارية بوجدة

هذا ما قاله مدرب الوداد موكوينا عن التعادل في الديربي

فرحة آيت منا بعد هدف التعادل في مرمى الرجاء

الحب في زمن الكورونا

الحب في زمن الكورونا

محمد إبراهيم الزموري

بعد مرور حوالي 35 سنة على صدور رواية الحب في زمن الكوليرا للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، والتي تروي أحداثها قصة حب رجل وامرأة منذ المراهقة، وحتى ما بعد بلوغهما السبعين، وتصف ما تغير حولهما وما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي وحتى التغيرات التكنولوجية وتأثيراتها على نهر مجدولينا في الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى العقود الأولى من القرن العشرين. كما أنها ترصد بدقة الأحوال في هذه المنطقة من العالم من حيث الأحوال الاقتصادية والأدبية والديموغرافية دون التأثير على انتظام الأحداث وسيرها الدقيق مما يضعنا أمام كاتب يمسك بأدواته ببراعة مثيرة.

 

اليوم نفتقد هذا النوع النادر من الحب، ذلك الذي يرسوا في العقل والقلب والمخيلة، ولا تنقص من وهجه الظروف والحروب والاوبئة، تماما مثل ذلك الحب الذي يجعل من بطل رواية غارسيا ماركيز (فلورنتينو اريثا) يدعوا حبيبته لرحلة نهرية على سفينة تمتلكها شركته فتوافق، وهناك يقترب منها أكثر وتدرك بأنها تحبه رغم شعورها بأن عمرها (70 عاما) لا يصلح للحب ولكن هذا ما كان يمنع (فلورنتينو اريثا) من الاستمرار بالأمل والسعي لراحتها فيتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق ويثبت أنها خدعة غير موفقة مع الحجر الصحي وتدخل السلطات.

 

وتنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وإيابا رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بوقود فيما تضم عش الحبيبين الذين لا يباليان بكبر عمرها ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب وهي الحب لذات الحب.

 

ما بين أحداث الرواية وواقعنا سنوات ضوئية من البؤس والتفاهة والخذلان، مسافات عقيمة من تجمد المشاعر والاحاسيس، ومتاهات مصطنعة بحبكة راوي بليد في توليفة البلاغة والانزياح، الحب الأسطوري يظهر في الازمات وتخلده المواقف والكتب والصفحات، وما بين الكوليرا والكورونا سمفونية مفقودة، وعلامة استفهام بارزة قوامها هل يمكن أن يوجد حب في وقتنا الحاضر كذلك الذي صاغه غارسيا ماركيز بدهاء ابداعي ملهم؟

 

السؤال هنا هو علة الجواب، والجواب هو سرد في تراجيديا التحكم والتصنع والسخرية، الحب في عصر البذخ المعلوماتي، وعولمة الثقافة والأخلاق، اصبح مادة استراتيجية للتحكم في المجتمع وتحديد الإمكانات والظروف والاولويات، الحكومات والبيروقراطيّات حول العالم، وباستعمال مختلف قنوات التواصل، من بشر وحجر وشجر، تقوم بما يسميه "لي شتراوس" بتربية المواشي البشرية، وهي حرفة ضاربة في القدم، سواء امتزجت بالعبودية أو بالابتكارية، تبقى بهدف واحد، تشجيع القولبة وتجريد الأفراد من كل حسّ بالتميّز، الحكومات والبيروقراطيّات تضرب دوما عمق الفردانية والتميّز ومنطقيا، فإنك عندما تفقد خصائصك الفردية المميزة تصبح مجرّد بهيمة سائرة تنتظر من يعجن خبزها ويبني سقفها ويعبئ دماغها بالمباح والمسموح والمرغوب.

 

الحب واقع، ويوجد علم لتفسيره ومنطقته وتقنينه، الحب هو الحب. وحب المغرمين، أو حب الفتاة للفتى أو الفتى لفتاة هو مشقتنا، خيالنا يؤمن بوجود الحب بشكل عدميّ غريب، لكن واقعنا غريق في بحر معاناتنا، فلا من أحببنا يحبنا ولا من يحبنا بادلناه الشعور، معاناة في معاناة، خيال في خيال، هكذا أرادنا شيطان عصرنا: الحكومات والبيروقراطيات، فهي تستثمر بشكل كبير للغاية للركوب فوق مختلف قنوات التواصل، فها هي تستفرد بقنوات التواصل من السمعي والبصري والورقي تارة، وبالمخابرات تارة أخرى للتجسس والتلاعب بمنحى تطور البشرية، هكذا وطأة الحكومات أحاسيسنا وحرمتنا من أحِبّتِنَا. فبعد أن انفجرت صناعة الإنتاج السينمائي في هوليوود خلال ثلاثينيات القرن الماضي، سارعت الحكومات بمختلف أطيافها من حكومات ليبيرالية غربية وشيوعية شرقية في الاستثمار بشكل عملاق في هذه الصناعة، لما تمكنّه من أدوات فعّالة لتربية المواشي البشرية، وما تلاها من ظواهر كالمهرجانات والتليفزيون والراديو وغيرها، وبدأوا بتطويع أرقى أحاسيس البشر، الحب، بدون أدنى رحمة أو شفقة.

 

لقد رأت الحكومات في الحبّ أحد المنتوجات التي يمكن بيعها لأي شخص في العالم، وآثرت إلا أن تضخم حجمه وتجعل شأنه ذو قدر عظيم، في حين أنه أنه مجرد إحساس طبيعي كالأمومة والأخوة وغيرهما من الأحاسيس الفطرية التي نحسها تجاه بعضنا، لكن الحكومات رأت في دمج أعمال "شكسبير" وموهبة "مارلين

 

مونرو" فرصة تاريخية لتطويق العقل البشري وجعله يتخبط في المزيد من الآلام والأوجاع عوض أن يغترف من بحر الاستكشاف والمعرفة والتبادل الإيجابي.

 

استثمرت الحكومات بشكل لا يصدق في الأفلام والمهرجانات وصناعة الموسيقى الرخيصة، وفي تضخيم صورة الحب كما فعلت مع الديموقراطية سابقا، لجعل الحب كالثمرة الصّعبة المنال، استثمرت في طبع وهم الحب في عقول الجميع، بل أنها شجعت قطعان الماشية من البشر على نحت صور مثالية للفتى والفتاة، أسمر، شهلاء، أشقر... شجّعت على وضع المزيد من العراقيل أمام العقل البشري الأعلى، شجّعته على الخوض في تلابيب الفراغ، ضخّمت صورة الحب حتى شتّتت أسراره وحرمت فتيانا وفتيات.. بل أجيالا، من رؤية الحقيقة، طمعا في عناق مستحيل مع فتى من خيال، شجّعت الموسيقيين على التنكّر لإبداعات العمالقة الخالدة المادحة لمحيطنا، وطمسها لنشر الخواء العاطفي المؤلف من أشعار فارغة وكلمات بذيئة رخيصة. ودفعت بالمهرجانات وشجعت على إقامتها، وعلى تقديس مرحلة لا تغدو أن تكون طبيعية في مسار التكاثر البشري، كما شجعت الحكومات وسائل الاتصال على نشر أغانٍ وأساطير حول الحب ما هي إلاّ وحي من خيال، لم ولن توجد أبدا، فلا جولييت ذات جمال أخاذ ولا قيسٌ يشبه براد بيت، كانوا بشرا عاديين لا يتخطون مُعدّل جمال طبيعي، اختاروا بعضهم ليطعموا بعضهم البعض من طاهر الإحساس والإخلاص. روميو كان طويل الوجه قبيح المنظر أشعث الشعر، بينما كان وجه جولييت مليئا بالنتوء ولم يكن شعرها أملس إطلاقا، وكان قيس مُتّسخ الثوب قبيح المنظر، بينما كانت أقدام ليلى تشبه أقدام الماعز، وهذه حقائق تاريخية معروفة، والدليل على هذا هو أن أعظم قصص الحب التي مُجِّدت على مرّ العصور كانت بين شُبّانٍ وشابّات لم تعرف المنافسة طريقها إليهم قطُّ.

 

الحب كان دوما ولا يزال اختيارا طوعيّا لإطعام نصفك الآخر من شوقك ومَحبَّتِك وعطفك عن سائر الآخرين والأخريات، ومحاولة تعْيِيرِ الحبّ وربطه بالمثاليّة مُجرّد فخّ صنعته الحكومات التي تقتات على الجهد الضائع من التّائهين. بل حتى الروائع الموسيقية والسينمائية الخالدة لم تتغنى ولم تمجّد الحبّ قطّ، لائحة أفضل الأفلام على مرّ التّاريخ، لا تضمّ قصص غرام وشوق، وبيتهوڤن، موزارت، باخ، وشوبان، لم يؤلفوا شيئا عن الحب، عظماء المُفكّرين لم يكتبوا عن الحب، كتبوا عن الحرية والفلسفة، ولم يعطوا للحب أكثر من قيمته، لأن الحب ضروري يحتاجه الإنسان ليعيش عيشة سعيدة مع زوجه في طمأنينة وإخلاص وراحة، لكنه شيء طبيعي وعادي على كلّ فرد أن يعيشه بشكل مُسْتقلّ بشكل يومي، يُحِبَّ ويّحَبّ، وأي محاولة لتأسيس حبّ غير متكافئ القوى لن يقودك سوى لعدميّة بلهاء.

 

لقد وقعنا في فخّ الحكومات، وآثرنا إلاّ أن نحبّ من لا نستطيع إقناعهم، وأن نهمل من أحبّونا بصدق، لقد آثرنا إلا أن نعاني ونأكل من القِدْر المسموم المطبوخ على نار الحكومات، آثرنا إلاّ أنعذب أنفسنا، وهكذا خُلِق الإنسان: أبلها سهل المنال.

 

لقد أظهر لنا الواقع أن كل الطرق لاستجداء الاخر يمكن أن تستثمر فيها كل الوسائل المشبوهة التي سمحت بها عولمة المشاعر، بالهدايا والأفكار والأموال وحتى بالثقافة المعلبة في بعض الأحيان، فمثلا حتى أستميل إحداهن وفي الظروف الحالية قد أنسج لها كلام من قبيل: " حبيبتي، وإذا اصبت لا قدر الله بفيروس كورونا لن تجدي أحدا سواي يسير نحوك مبتهجا، يحث خطاه صوبك بلا كمامات أو بزة بلاستيكية واقية، وسواي لن تجدي من يملك الخفة والجرأة في اقتحام حجرك الصحي، في احتضانك وتقبيلك واستنشاق الموت من كل خلية مذعورة في جسدك."

 

كلام انشائي، معلب لن يقودها بعيدا الا الى حافة السرير، والشرشف الأبيض. وهذا هو المراد من التنظيم الانتقائي للمشاعر والاحاسيس. غارسيا ماركيز كان رائعا في " الحب في زمن الكوليرا" لكنه لم يكن صادقا.

 

 

نصيحة أحب من أحبوك، اعشق من عشقوك، تمسك بمن قدّسوك، ولا تثق أبدا بهراء الإشهار والحكومات، فلن يريحك صدرها المنحوت، ولن يسعدك قوامها الممشوق، سارع إلى حبّ من يشبهوك، فلا مثالية فوق كوكب الأخطاء.


عدد التعليقات (1 تعليق)

1

محمد الخطيب

ابداع

تبهرنا دوما. بفكرك وابداعك. وسهولة وسلاسة ايضاح افكارك. خالص تحياتي لكاتبنا المبدع

2020/03/18 - 06:09
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات