مولاي الشريف طاهيري
لا شك أن الصحة بالنسبة للإنسان هي ما يشكل جوهر كيانه، و قد يكون هذا ما يجعل تجربة المرض لحظة وجودية بدون منازع، فما أن يصاب الإنسان في كل أو بعض من جسده حتى يسارع للتساؤل عن السبب و كيفية العلاج استجابة لإملاءات غريزة البقاء.
قد يكون هذا العامل النفسي هو بالضبط ما يجعل من الطب العلاجي المطلب الأساسي للإنسان على حساب الطب الوقائي، رغم كون هذا الأخير بمثابة خط الدفاع الأول لتجنب الأمراض.
تذهب إحدى المقاربات السوسيولوجية، في تفسير ذلك، إلى غياب "ثقافة المخاطرة" culture de risque لدى المجتمع و الأفراد.
هذا المفهوم الذي صاغه عالم الاجتماع الألماني اولريش بيك في كتابه "مجتمع المخاطرة" في فترة ما بعد كارثة تشرنوبيل يطرح من خلاله الكاتب تساؤلات جوهرية بخصوص مدى استيعاب و استخلاص الدروس من الكارثة و ما إن كانت البشرية ستتصرف عكس ما قبل تشرنوبيل.
و بالنسبة ل اورليش بيك لا تستوي المخاطرة مع الكارثة من حيث المعنى؛ ذلك أن المخاطرة هي تنبؤ بالكارثة، و في اللحظة التي تصبح فيها المخاطرة واقعا فهي تتحول الى كارثة.
و حسب لودوڤيتش ليستريلن -أستاذ علم الاجتماع بجامعة كاين نورماندي- المخاطرة هي كل خطر تم تحديده و من الممكن الاستعداد له بشكل استباقي عبر آليات و قرارات.
من خلال هذا التعريف المدرج في مقالة حديثة تتناول جائحة كورونا من منظور سوسيولوجي يسائل لودوڤيتش ليستريلن دول أوروبا بخصوص الدروس المستفادة من السارس SARS عام 2003 و انفلونزا H1N1 عام 2009. هل توقعت اوروبا وتصرفت بشكل كافٍ حيال داء كورونا المستجد تفاديا لعنصر المفاجأة؟
هل كان توقيت ردة الفعل المتأخر للحكومات سببا في تحول المخاطرة الى كارثة؟
الأرقام المتداولة يوميا و القادمة من هناك بشأن عدد الاصابات المسجلة و عدد الوفيات تجيب بوضوح.
المغرب، باعتباره دولة من دول العالم الثالث عرف قدر منظومته الصحية و لزمهه، حيث سارعت السلطات إلى إغلاق الحدود و تعليق الرحلات الجوية من و الى الدول الاكثر تسجيلا لحالات الإصابة بداء كورونا.
و على العموم، أثبتت السياسة الاستباقية في التصدي لجائحة كورونا فعاليتها، لحدود الساعة، رغم التأخر النسبي في إنزالها إلى أرض الواقع و رغم بعض خروقات المواطنين للحجر الصحي و حالة الطوارئ الصحية.
كما أنه في تجربة ليست بالبعيدة وجب التنويه بالتعاطي الرزين للحكومة المغربية مع خطر وباء ايبولا سنة 2014 باعتمادها مخططا وطنيا لليقظة و قرارها تأجيل/إلغاء كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم 2015.
معظم الإجراءات و التدابير (و التي كانت سببا مباشرا في تفادي الكارثة) يغلب عليها الطابع الأمني أكثر مما هو تعاطي صحي/طبي في مواجهة مرض.
و رغم ذلك عرت جائحة كورونا هشاشة قطاع الصحة بالمغرب، و الأكثر من ذلك برزت جليا حيوية هذا القطاع للدولة و المواطن و قد يعاود هذا الوضع طرح المطلب القديم الجديد و هو الرفع من ميزانية قطاع الصحة و الاستثمار في عنصره البشري و بنياته التحتية.
و اذا نحن تقيدنا بما تستوجبه ثقافة المخاطرة قد يكون صحيا طرح سؤال على نحو "ماذا لو كان المغرب بؤرة تفشي مرض ما بشراسة جائحة كورونا؟"
في موضوع خرق حالة الطوارئ الصحية في بعض المدن بالمغرب و خروج الافراد في جماعات بغية التضرع لله ان يزيل غضبه عن عباده، يمكننا تحليل هذا السلوك على مستويين اثنين:
أولا، ظروف تلقي وضعية المخاطرة: بمعنى أن طريقة التصرف تجد نفسها في علاقة عضوية مع قيم هذه الجماعة و بحسب سياق معين، ما قد يساهم ايجابا في انجلاء المخاطرة او سلبا ببلوغها مرحلة الكارثة. و استدلالا على ذلك يدرج لودوڤيتش شهادة لناجية من فاجعة فورياني التي عرفت مقتل 18 شخصا و إصابة الآلاف من المشجعين بعد سقوط مدرج أثناء مباراة في كرة القدم.
تقول الشاهدة: " قبل 15 دقيقة من الفاجعة شعرنا فعلا أن المدرج يتحرك بطريقة مريبة، لكن الجماهير كانت غارقة في الاحتفال لدرجة أن الجميع صار يضحك. تلفت من حولي و قلت «المدرج يتحرك!» فاجابني الجميع نعم، و استمروا في الضحك."
على هذا المنوال و بنفس المنطق اخذت الحماسة الدينية بعض الأفراد بطنجة و فاس و تطوان و سلا، و كان للحس الجمعي و الجماهيري دور اتمام العملية و النتيجة خروج العشرات في مظاهرات و مسيرات غير مسؤولة.
ثانيا: المستوى السوسيو ثقافي و الاقتصادي للأفراد: فمن خلال الصور المتداولة يتضح أن هذه التجمهرات في عز حالة الطوارئ الصحية كانت باحياء فقيرة لساكنة تعاني الفقر و الهشاشة و بنسب عالية من الأمية. و هذا قد يفسر العلاقة بين درجة تلقي وضعية المخاطرة و المستوى الاقتصادي و الثقافي للفرد. هذه العلاقة كان قد حسم فيها اولريش بيك بقوله: "التعاسة المادية و التعامي عن المخاطر أمران مترابطان".