سفيان زغمول
في علم المكروبيولوجيا la microbiologie يعتبر الفيروس أو الحُمات من بين أصغر المخلوقات التي يتطلب رؤيتها إستعمال المجهر الإلكترونيmicroscope électronique ، لكن هذا المخلوق رغم صغر حجمه، وفي وقت وجيز استطاع أن يوحد الأمم، فلم نعد نسمع هذه دول عالم أول، ثاني أو ثالث،فالكل أصبح شغله الشاغل هو كيفية النجاة من هذا الخطر الفتاك والذي لا يفرق بين صغير أو كبير، غني أو فقير.
كل الدول تسارع الزمن في اتخاذ إجراءات وتدابير إحترازية من قبيل "الابتعاد الاجتماعي" وإلزامية ارتداء الكمامات وغيرها من الاجراءات، والتي تهدف إلى محاصرة هذا الفيروس وربح الوقت إلى حين إيجاد لقاح لهذا الفيروس.
هذه ''الجائحة'' كما صنفتها منظمة الصحة العالمية سيكون لها آثار وخيمة على مجموعة من المجالات سواء على المدى القصير،المتوسط والبعيد، فالمجال الاقتصادي مثلا يعد المتضرر الأول من هذه الازمة، لكنه ليس الوحيد فتداعيات هذه الأزمة ستطال جميع المجالات بدون استثناء، هذا الفيروس كشف المعدن الحقيقي لبعض التكتلات المزيفة في العالم، ولعل ما يقع في إيطاليا يُبيّن مما لا يدع مجال للشك، أن هذه الجائحة ستُعيد ترتيب الأوراق داخل الاتحادات والتكتلات العالمية وستُعيد رسم خريطة التحالفات الدولية فور انتهاء هذه الأزمة الصحية العالمية.
فيروس كورونا أو Covid-19 كشف النقاب عن مجموعة من الأمور، أولها ان أي استثمار مستقبل خارج الاستثمار في قطاعي الصحة والتعليم هو استثمار
خاسر لا محالة، فالصحة والتعليم هما العمود الفقري لازدهار أي مجتمع كيفما كان، ولعل المثال الذي يستحضرني هو كيفية التعامل مع هذا الفيروس من طرف دولتين كألمانيا وإيطاليا، فالأولى تعاملت مع هذا الوباء بالجدية المطلوبة منذ البداية والثانية استهزئت به نوعا ما في البداية وها هي تحصد يوم بعد الآخر نتائج هذا التهور والتعامل غير المسؤول.
ولعل التجربة الصينية في التعامل مع هذه الجائحة وجب أن تُدرس، فبالتطور الحاصل عندها، على مستوى المجالات المذكورة سابقا (الصحة والتعليم)، استطاعت الصين وفي وقت قياسي أن تتغلب إلى حد الآن على هذا الفيروس واستطاعة ان تُحاصره، بعدما كانت إلى عهد قريب هي بؤرة تفشي هذا الوباء .
فالتقدم العلمي والصحي في هذا البلد أصبح يُضرب به المثل في مختلف دول العالم، ولعل المستشفى الميداني الذي تطلب بناؤه عشرة أيام فقط، وكذا الوسائل التكنولوجية التي استعملتها في رصد وتطويق المصابين أو المحتمل إصابتهم،خير دليل على المستوى الذي وصلت له هذه الدولة.
هذه الازمة وبالتأكيد بعد انفراجها، ستُتيح لنا الفرصة إلى إعادة ترتيب أوراقنا إن أردنا أن نُساير الركب، وذلك بإعادة النظر في الاستراتيجيات المتبعة من أجل انتاج إنسان واعي يستطيع أن يفيد بلده ويساعدها على اجتياز أي أزمة مستقبلية كيفما كانت، وأيضا وجب تزويده بالإمكانيات وفسح المجال له للإبداع والقيام بعمله في أفضل الظروف، بُغْية الوصول إلى ما وصلت له الدول المتقدمة ولو بعد حين.