مصطفى طه
حالما تدلف إلى سيرته الممتدة بعبق الحب على امتداد التاريخ والجغرافيا، تجد نفسك وجها لوجه قبالة رجل تأبى الحروف بما تضمر في حضرة خواطره واجتهاداته ونورانيته المتفردة التي رصعته وسام "إمام الدعاة"، إنه الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي قالت عنه الشهادات إنه ضرب، رحمه الله، مثلا ونموذجا رائعا، يجب أن يتأسى به الدعاة والعلماء من بعده.
في خواطره الإيمانية تكلم الشيخ محمد متولي الشعراوي عن الشهر العظيم وحدث عنه، وكانت لقاءاته وسط نفحاته الربانية تشكل موطنا لتهادي قلوب المسلمين وبات الالتفاف عليها من أظهر الملامح المميزة للشهر الفضيل.
ومن الصفات التي كان حريصا على تعميق الإيمان بها "اليقظة في شهر رمضان"، حيث كان يدعو المسلمين، إلى أن يعيشوا هذا الشهر، وأن يحيوا فيه حياة تبين لهم كنوز هذا الدين العظيم الذي ستره خمولهم وسترته غفلتهم وستره عنهم التفاتهم إلى المتاع الحياتية ومادية الدنيا.
يقول شيخنا الجليل: "يأتي الحق سبحانه وتعالى لينبه المسلمين في غفلة الزمن الممتد، بصرخة قوية تؤثر في كل حياتهم مواعيد اقتيات واحتفالا باقتيات وحشدا لمترفات وتغييرا يشمل كل ألوان الناس في شتى بقاع الإسلام، يعلمه الطفل والشاب والمرأة والرجل".
وفيما يتعلق بتشريع الصيام في رمضان، يقول إن هذا الحدث لا يمكن أن يسهو عنه إنسان، مؤكدا أنه حدث أراد الله بتشريعه أن يهز أركان المسلم الغافلة لتعاود أصول حياتها الإيمانية، وتسترجع أثر ذلك الشهر في حياتها، "تسترجعه ميلادا لنزول منهج جامع مانع وتسترجعه لبداية حدثت فيه حينما التقت القلة المؤمنة بالكثرة الكافرة، ونهاية انتصارية شاء الله بها أن يفتح لرسوله صلى الله عليه وسلم مكة التي عز عليه أن يقيم بها".
وكانت لشهر رمضان مكانة عزيزة وخاصة عند الشيخ الشعراوي، وكان الله سبحانه وتعالى يفتح عليه في هذا الشهر الكريم فيخرج بعلمه واجتهاداته على الناس، حيث لم يدخر جهدا، رحمه الله، في الخوض في بدع استقباله، وتوضيح وتفسير المنهج الصحيح في حسن الاستعداد للشهر الكريم، حيث يقول: "المسلمون حين يستقبلون هذا الشهر يستقبلونه بحفاوة، ولكن بحفاوة غير التي يريد الله بها أن نحتفي بهذا الشهر، إننا نستقبله تفننا في مطعم، وتفننا في مترفات، وتفننا في مسليات، وتفننا في انحرافات أيضا، ونعد لم من كل ذلك أشهى الألوان".
وتابع إمام الدعاة: "وكأننا عشنا طيلة عامنا محرومين من مناهج التسلية ومن مترفات الحياة، لنعوض في شهر رمضان، وقد كان من المعقول جدا أن نستغفر عن غفلتنا طيلة العام بيقظتنا في ذلك الشهر، وأن نستغفر عن إيماننا بأن الحياة هي كل شيء في مظهر ماديتها لنعود الى الله منهاجيين، كما يريد الله في هذا الشهر، ولعلنا حين نحمل نفسنا على هذا المنهج الذي يريده الله تتأصل فينا عادة عشنا فيها "30 يوما"، فلعل هذه العادة تتمكن من نفوسنا وتحل لنا حتى لا نتركها بعد ذلك ولا نسلو عنها".
وها هنا، وفي زخم فيوضات استقبال شهر رمضان الكريم، التي لا تنضب ينبهنا، رحمه الله بأن خصوم الإسلام يحبون منا اللون الذي نعيشه من حفاوتنا بمناسبتنا الإسلامية، ويعينوننا على ذلك لأنهم يحبون أن يكون ذلك الدين فيه شعائر مقصورة على ما يؤديه الانسان بالنسبة لربه".
ويعضد ما ينتاب أعداء الإسلام بالقول: "إنهم يحاولون بذلك أن يبعدونا عن حركة الحياة لأن الذي يؤلمهم في يقظة الإسلام وانطلاقاته إنما هي قيادته لحركة الحياة قيادة تقف أمام باطلهم، وتقف أمام طغيانهم، وتعرّف الناس وتعلمهم منهجا كريما من مناهج الحياة يزهدهم فيما يعيشون فيه ويعيشون شعوبهم فيه".
ويذهب رحمه الله تعالى إلى أن "أولاء الخصوم يفرحون بالحفاوة التي نحتفي نحن فيها بشهر رمضان، وربما أعانون عليها بكل شيء يؤصل فينا انصرافنا عن لبّ الدين وجوهر اليقين"، لافتا إلى أن المسلمين هم الذين يعطون العنوان السيء للإسلام، وعن سبب ذلك يجيب: "يجب أن نعلم أن خصوم الإسلام يعرفون كيف نعيش في ديارنا المسلمة، و لا أقول كيف نعيش ديارهم هم، أقول يعرفون كيف نعيش نحن ديننا هنا وكيف نعيش إسلامنا، وكان من الممكن أن نلفتهم نحن إلى حسن هذا الدين، وإلى جماله، إن رأونا متمسكين به ملتزمين بما يطلبه منا، ولكنهم يرون منا، إن سمعوا قولا، صرخة تدعو إلى دين ثم يمعنون النظر فيجدون هذه الصرخة لا تتجاوز الحناجر، وحين لا تتجاوز الحناجر، أي لا تغطي سلوك الحياة، فهم يسخرون منا ويقولون: دعوهم يقولون و لا يفعلون".