رشيد أخريبيش
في بلداننا الّتي ينخرها الفساد من كلّ الجوانب، عارعليك إن طالبت بحقك في الحرّية والدّيمقراطية، عار عليك إن فكّرت يوما أن تخرج لتصرخ في وجه من استعبدوك، ومن أفقروك، ومن دمروا أحلامك .
مهمّتك في هذا البلد يجب أن لا تتجاوز التّطبيل والتّزمير، وإضفاء الشّرعية على سيّاسات من يأكلون أموالك ويرمون لك الفتات، ويطالبونك أن تصفّق لهم فرحاً على سخائهم .
أمّا أن تخرج دفاعاً عن حقّك، أو تطالب بالعيش الكريم، فحتما أنت من الّذين يُثيرون الفتنة، أو من الّذين يُهدّدون استقرار البلد.
خرج أبناء "الفنيدق" عن صمتهم سلميّاً، ضد أوضاعهم المعيشية بعد إغلاق معبر مدينة سبتة ،أقاموا الدنيا ولم يقعدوها فاتّهموا، وأجمعوا على أنّ الظرفية الّتي تعرفها البلاد ، لا تحتاج كلّ هذا ، وأنّ هناك قنوات يُمكن من خلالها لهؤلاء التّعبير عن مطالبهم، دون إثارة ما يسمونه بالفتنة، الّتي أصبحت تهمة من لا تهمة له في هذا البلد.
هم يريدوننا أن نتعوّد على أن نقبل بكل شيء، وأن لا نخرج عمّا هو مرسوم لنا، وإلا ستُصيبنا جميعا لعنات خدّام الدّولة .
حرّية التّظاهر مكفولة في الدّستور، وحرّية الاحتجاج السّلمي تضمنها أيضا كلّ القوانين.
لكن متى خرج المغاربة عن صمتهم سلميّاً ولم يتهموا بالانفصال ؟
التّهمة الجاهزة التي لاتحتاج إلى مبرّرات هي تهمة الانفصال، والتُّهمة التي من السّهل أن يُصدقها الشّعب هي تهديد الاستقرار .
أن تصرخ جوعاً، فأكيد أنّ صراخك يزعجهم، وأن تهتف بالحرّية، والدّيمقراطية، والعدالة الاجتماعية، فهذا كاف لكي تُصبح في لائحة أصحاب الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وحتما ستكون هدفاً لسهامهم، وقذائفهم، وستكون من المغضوب عليهم .
أوضاع البلد لا تسمح بالاحتجاج، ولا تسمح بالخروج إلى الشوارع، ولا تسمح حتى بالصراخ .
الظرفية التي يعرفها البلد ليست مواتية لتنظيم المسيرات السلمية، التي يعبر فيها المواطن عن سخطه تجاه سياساتهم.
لكن في المقابل، فالظرفية مواتية فقط لأصحاب التعويضات الخيالية، وللسّاسة وللصوص المال العام ، الذين يمتصّون عروق المواطنين بلا ضجيج .
الظرفية مواتية لهم فقط، وبإمكانهم أن يُشرِّعوا ما شاءوا من القوانين المجحفة داخل قبة البرلمان لتكميم الأفواه، وإحكام قبضتهم على الشّعب .
الظرفية مواتية فقط للدّولة لتفرض من خلالها حالة الطّوارئ، التي تُمكّنها من أن تمنح لنفسها سلطات استثنائية، وإجراءات مشدّدة لمواصلة القمع، والتنكيل، والتسلط.
يوماً بعد يوم تتأكد شعوب المنطقة، أنّ كورونا أصبحت فزّاعة، استغلّتها كثير من الدّول في عالمنا، لإعلان الحرب على الحرّيات، والإنهاء مع الدّيمقراطية، التي كانت جلّ الشّعوب تؤمن بها، على الأقل بعد ما سمي بالرّبيع الدّيمقراطي، الذي أبوا إلاّ أن يجعلوه خريفاً ديمقراطيّاً، يُعلنون من خلاله أنّ الشّعوب يجب أن تعيش كالقطيع وتموت كالقطيع .
سنستيقظ يوماً لنُدرك أنّ جائحة كورونا، وما تلاها من إجراءات، كلّ ذلك كان يجب أن يحدث، لاغتيال ما تبقّى من أمل لدى شعوب المنطقة التّواقة إلى الحرّية، وإلى التّغيير، وإلى الدّيمقراطية، ويبدو أنّ كورونا هبة استطاعت الدّول استغلالها أفضل استغلال، لإحكام قبضتها، وإطالة أمد الاستبداد، وما حقّقته الأنظمة في عالمنا من انجازات في وقت قصير في ظل الجائحة، لم تستطع تحقيقه على مدى ستين عاما، والظّاهر أنّ كورونا منحت الفرصة لهذه الأنظمة جميعاً أن تعود أقوى من ذي قبل، وهذا ما يجعلها تتمنّى عمراً مديدا لكورونا ولأخواتها، ففي ذلك حياة لها ولأبنائها