الحسين بوخرطة
مباشرة بعد انتخاب الأخ إدريس لشكر على رأس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، توالت التعقيبات المنتقدة لهذا الحدث البارز في الحياة السياسية المغربية، بارز لأنه مرتبط بأحد الأحزاب التاريخية العريقة المرتبطة بالجماهير الشعبية والذي كان له حضور قوي في مختلف مراحل التاريخ الحديث للبلاد: مرحلة مناهضة الاستعمار، ومرحلة النضال من أجل الديمقراطية والحرية، ومرحلة الانتقال الديمقراطي. ما أثارنا في هذه التعقيبات كونها ألصقت بالقائد الجديد إدريس لشكر، الذي انتحب ديمقراطيا، صفة "الشعبوية" على غرار ما وصف به عبد الإله بنكيران عن حزب العدالة والتنمية، وشباط عن حزب الاستقلال، وإلياس العماري عن حزب الأصالة والمعاصرة. هذه الإثارة غير المبررة سياسيا دفعتنا إلى تناول هذا الموضوع وفتح النقاش بشأن أحقية هذا الوصف من عدمه ارتباطا بالوضع السياسي المغربي والتحولات والتطورات التي يعرفها العالم زمن العولمة.
بدءا، نود أن نؤكد أن القائد السياسي لحزب معين سواء بالمغرب أو في الغرب (بأوروبا أو أمريكا على الخصوص) يكون مهامه الأساسي هو تقوية حزبه وتقوية وطنه وحماية بلاده من الأزمات والاعتداءات الخارجية وضمان استقرارها السياسي. ومن أجل أن نوضح هذا المعطى ومناقشته سنستحضر، قبل التطرق لوضع إدريس لشكر كقيادة اتحادية جديدة في محور ثالث في هذا المقال، التحولات الدولية زمن العولمة وما تفرضه من منطق جديد في التواصل السياسي (المحور الأول)، ونموذج القيادات الحزبية الحاكمة في أوربا وأمريكا (المحور الثاني). وبهذا الاستحضار، الذي سنقوم بتوضيح منطقه ودواعيه في سياق التحولات الدولية وتطور موازين القوى في العالم، سنحاول أن نضع المتتبع أمام حقيقة واضحة تتجلى في كون إدريس لشكر كقيادي سياسي لم يقم إلا بالدفاع على حزبه وموقعه في المشهد السياسي المغربي طامحا خلق جبهة أو كتلة حداثية لمواجهة المخاطر المرتبة عن تهديدات اختلال التوازن السياسي لصالح القوى المحافظة، وبالتالي ضمان استقرار البلاد وتقدم مسارها الديمقراطي الحداثي. ومن أجل ذلك، كانت كل تدخلاته واستعداداته منذ فشله في المؤتمر الاتحادي الثامن تعبر عن طموحه ليقود سفينة الاتحاد في زمن العواصف السياسية.
هذا عن لشكر، أما عن طبيعة توصيفه ب"الشعبوية" وتأثيراته، فيمكن القول أن التمادي في إلصاق مثل هذه التوصيفات بالقادة الجدد للأحزاب السياسية لن نجني من وراءه سوى الأضرار البليغة، وتشويه صورة السياسة والسياسيين في بلادنا، والاستهزاء بحرية المناضلين في الأحزاب الوطنية لاختيار قادتهم.
المحور الأول: التحولات الدولية زمن العولمة ومنطق التواصل السياسي الجديد
لا أحد يجادل اليوم حدة التطورات العالمية في مختلف المجالات وما أحدثته وتحدثه من تغييرات في منطق ممارسة السلطة في العالمين المتقدم (الشمال) والسائر في طريق النمو أو الفقير (الجنوب). إن العالم يعرف ثورة تجاوزت الخطاب النخبوي الكلاسيكي المتعالي ليحل محلها مقاربات المشاركة والقرب. ففي زمن التقاطب السياسي بمعسكرين الأول تحت قيادة الاتحاد السوفياتي، والثاني تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، عرف المغرب منطق الصراع من أجل الديمقراطية ما بين الدولة والمعارضة. ففي هذه المرحلة، بقمعها الشديد، كان المواطن مرتبطا بالزعيم السياسي "الكاريزماتي" لأنه كان يرى فيه الحماية النفسية والجسدية، وكان يحلم من خلاله بمستقبل سياسي ديمقراطي عادل. فكانت الشعارات المرفوعة من طرف هؤلاء الزعماء في خطاباتهم المنبرية كافية لتقوية الروح "الانتمائية" في صفوف المناضلين، ولتحريك الجماهير الشعبية في كل المستويات الترابية. لكن مباشرة بعد هدم جدار برلين وإعلان النظام العالمي الجديد تغير كل شيء، وعرفت الممارسة السياسية تغييرات وتطورات ارتبطت بمنطق اقتصادي وثقافي وتكنولوجي جديد. هكذا، ومع ابتعاد الوضع المغربي بالتدريج عن سياق "استبداد الدولة"، ساد ويسود شعور شعبي مناوئ للخطابات النخبوية "الكاريزماتية"، وتوارى بذلك الخطاب المنبري المتعالي للزعيم لتحل محله ميولات شعبية جديدة تطالب بتطبيق مقاربتي المشاركة والقرب. إنه توجه بركماتي ساد بوثيرة سريعة في المجتمع إلى درجة أصبح المواطن يرفض النخبوية التي يتهمها كونها ذات نزعات استعلائية متعالية على الفرد والجماعة (الواقع المحلي المعيشي). إن هذا التوجه الملموس لا يتعلق فقط بالمغرب، بل أصبح توجها دوليا، أوروبيا وأمريكيا على الخصوص، فرضه منطق الليبرالية الجديدة وتداعيات الأزمات المالية والاقتصادية العالمية المتتالية.
وعليه، أصبح ضروريا، من باب الحرص على تقوية تسييس المجتمع والدولة، الاعتماد على زعامات من نوع خاص قادرة على التأثير والتوجيه بدون الارتكاز فقط على الفكر والمراجع والنظريات، زعامات تعتمد في حرصها على تطوير المرجعيات الإيديولوجية على ضرورة إلهاب حماس الجماهير ودفعهم للتفاعل مع مختلف القضايا الوطنية والإقليمية والدولية انطلاقا من واقعهم المحلي. إنه الخيار الاضطراري للعودة إلى المصدر الشعبي للسلطة بنفس ومنطق جديدين يقلصان الفجوة التي تعمقت بين المواطن والسياسة، ويرفعان من حدة الثقة بين المجتمع ونخبه السياسية والاقتصادية، وبالتالي الرفع من قدرة العملية السياسية على تحقيق عالم أفضل وأكثر عدالة للمواطنين، وتقوية الإرادة الشعبية للمشاركة في إنتاج نخب وقيادات سياسية جديدة ذات جاذبية كبيرة على أساس إلمامهم بأنماط التدبير الجديدة بما في ذلك تقنيات التواصل والتفاوض. إنه السبيل الوحيد لتقوية الإرادة السياسية الشعبية ومحاربة الميولات نحو انكماش المواطنين على همومهم وما قد يسببه ذلك من تزايد لحدة الاعتزال والعزوف السياسيين، وتأجيج لحده التخاصم والتنافر والتناحر والتشرذم والإقصاء والتعصب بين صفوف المواطنين عامة والمناضلين خاصة. إنها الحاجة للدفع بركيزة الشعب وركيزة القانون والمساطر وتقوية الإمكانيات التواصلية المرسخة للوضوح والشفافية، وبالتالي الرفع من درجة التسييس بأبعاده الفكرية والإيديولوجية في المجتمع، تسييس بخطابات قريبة من الناس تستعمل لغتهم وتخاطبهم بما يفهمون. لقد فرضت الأوضاع الكونية توجهات جديدة بنبرة ثورية على كل ما هو قديم ونخبوي كلاسيكي متعال، ورفعت من قيمة القيادي القريب من الناس، والسياسي المحنك الذي يتقن فنون التواصل والتفاوض في الأوقات المناسبة، والبركماتي الذي يقوي من القدرة التفاوضية لحزبه مع الدولة والمنتظم السياسي الدولي وكافة الفرقاء السياسيين والناس عامة.
المحور الثاني: نموذج القيادات الحزبية الحاكمة في أوربا وأمريكا
لقد اتضح من خلال تتبعنا للتطورات السياسية في العالم الغربي (الأوروبي والأمريكي على الخصوص) والأحداث المرتبطة بها أن القيادات السياسية تلجأ إلى خطابات وممارسات سياسية متناقضة في بعض الأحيان مع مقتضيات ميثاق حقوق الإنسان الكونية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأمور المرتبطة بدول الجنوب النامية. إن الهدف الأساسي لهذه القيادات هو التحكم في التطورات السياسية لتكون بلدانها الرابح الأكبر اقتصاديا وماليا وأمنيا.
فبالنسبة لأمريكا، اتضح انه ليس هناك تناقض واضح بين منطق سياسات أوباما عن الحزب الديمقراطي، وبوش عن الحزب الجمهوري. كلاهما يتخذ في بعض الأحيان قرارات خارجة على المواثيق الدولية المتوافق بشأنها كونيا تحت ذريعة حماية مصالح وأمن أمريكا. فبعدما دشن بوش شرعية سياسية للاغتيالات، اشتعلت بحدة أكبر على عهد أوباما حيث دعمها الحزبين في عهده. هكذا تم تمرير "قانون تفويض الدفاع الوطني" سنة 2012 والذي يعطي الحق للدولة لاعتقال أو احتجاز مواطنين أمريكيين إلى أجل غير مسمى دون محاكمة أو تهمة ثابتة. وفي هذا الشأن، أعطى أوباما موافقته على اغتيال ثلاثة مواطنين أمريكيين دون محاكمة بسبب تهمة انتمائهم لتنظيم القاعدة. كما يتذكر الكل الخرجات الإعلامية لبوش الابن مدافعا على نشر "مذكرات التعذيب" التي تبرز قانونيا تعذيب المعتقلين الذين تحتجزهم وكالة الاستخبارات المركزية.
بنفس المنطق تم التعامل مع أحداث الربيع العربي. ففي ليبيا، تم التذرع بحماية المدنيين ومدينة بنغازي من التدمير لتحويل سلاح جو حلف شمال الأطلسي (فرنسا وبريطانيا في الصدارة تليها الولايات المتحدة) إلى سلاح الثوار حيث تم ذلك في تناقض واضح مع مقتضيات القرار الأممي رقم 1973. لقد تم التدخل بهذه الطريقة بالرغم من رفض هذا التدخل من طرف الاتحاد الإفريقي ودول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا)، وامتناع كل من ألمانيا وإيطاليا العضوين في الناتو في البداية عن المشاركة فيه، وتحفظت تركيا بدورها في البداية قبل أن تغير رأيها. أما فيما يخص تونس ومصر، فقد قام الغرب الأوروبي الأمريكي، خاصة فرنسا وبريطانيا وأمريكا، بالتخلي على الديكتاتوريات المفضلة ومن مشاكلها بدون التخلي على المنطق التحكمي في مصير هاتين الدولتين ومستقبل شعوبهما السياسي. فموازاة مع إصدارها للخطابات بشأن حبها للديمقراطية وللشعوب العربية، تجدها حرصت وتحرص بكل الوسائل على أن تكون الأنظمة الجديدة في خدمة مصالحها ومصلحة إسرائيل. وهنا يقول تشومسكي أن أمريكا دخلت على خط "الربيع العربي" لإفشال المشروع الديمقراطي في المنطقة. ويضيف هذا المفكر الحقوقي أن الفيتو الصيني والروسي ليس هو المانع للتدخل العسكري في سوريا، بل السبب الحقيقي هو تفضيل التحالف الأوربي الأمريكي عدم التدخل لأنه لا يرى المصلحة في أي شخص حاليا، الشيء الذي جعله يفضل دور المتفرج والانتظار إلى أن تكتمل عنده الصورة الحقيقية المحفزة لتدخله بشكل من الأشكال. فحتى التدخل الأمريكي في العراق ومحاولاته لقلب نظام تشافيز والضغط على إيران... ليس سببه كما ورد في خطابات بوش امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، أو خطورة تهديدات محور الشر، بل كان سببه الأساسي اقتصادي ومالي مرتبط بما يسمى بظاهرة البترودولار. فكل من رفض من قادة الدول البترولية في الجنوب بيع بتروله بالدولار فقط (تقوم بصناعته بالآلة النقدية بدون أن يكون له مقابل من الذهب في البنك المركزي)، يتم التذرع بأسباب واهية من أجل مضايقته والضغط عليه أو الإطاحة بنظامه (سنعود لهذا الموضوع لاحقا).
يتضح إذن مما سبق أن السياسات الخارجية للدول الغربية الأوروبية والأمريكية تعبر عن وجهين متناقضين، وجه خطابي يمجد الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووجه آخر ميداني تكون فيه الممارسات والتدخلات خاضعة للمصالح الحيوية لهذه الدول (المصلحة الاقتصادية وضمان الحماية الأمنية لشعوبهم).
وعليه، نطرح السؤال على صحافيينا: أليس ما تقوم به القيادات الحزبية في هذه الدول هو عين الانتهازية وخطاباتهم أكثر من "الشعبوية"؟.
أما ما قام به لشكر فهو مجرد مناورات سياسية ذكية للدفاع على موقع حزبه، وتغليب المصلحة العليا للبلاد ومصلحة الاتحاد الاشتراكي تجنبا لأي تهديدات محتملة لاستبداد جديد من نوع خاص.
المحور الثالث: حالة فوز إدريس لشكر برئاسة الاتحاد ووصفه تعسفا ب"الشعبوي"
عند تأملنا للتطورات في المحور الأول من هذا المقال، وما أثرناه من تقلبات سياسية عند الزعماء الغربيين (الأوروبي والأمريكي)، يتضح لنا أن ما اعتبره الرأي العام الإعلامي "شعبوية" في شخص إدريس لشكر ما هو إلا ممارسات اجتهادية ابتكرها هذا القيادي لإعادة حزبه إلى الواجهة بعدما تكلم الجميع عن اقتراب "موته"، وبالتالي تقوية التفاوض مع الدولة والفرقاء السياسيين من أجل تحقيق نوع من التوازن في موازين القوى السياسية في البلاد.
إدريس لشكر، قبل وصوله إلى قيادة حزبه في يوم 16 دجنبر 2012 بناء على نتائج صناديق الاقتراع، مر بكل مراحل "التنخيب" المعتادة. فبعد النضال في الخلايا الطلابية، تدرج داخل شبيبة الحزب إلى أن أصبح مسؤولا بها، وعاش تجربة السجن سنة 1976، وتدرج كذلك داخل أجهزة الحزب المحلية والإقليمية والجهوية إلى أن أصبح عضوا في المكتب السياسي، ثم القائد الخامس لحزبه بعد بوعبيد واليوسفي واليازغي والراضي. خاصيته أنه ابن الشعب، ورجل تنظيم، ومنافس شرس خاض حروبا تنظيمية قوية أوصلته في نهاية المطاف إلى ما كان يحلم به. فبالرغم من الركود والتراجع الذي عرفه الحزب، كان يخلق الحدث وتجده دائما في ساحة المعارك الداخلية والخارجية، ولم يتراجع يوما إلى الوراء، ولم يقنط قط، ولم يفضل المغادرة أو الانزواء كما فعل الكثيرون.
وبخصوص معاركه الخارجية، كان دائما مبادرا لإثارة الأحداث الجديدة التي كان يطمح من خلالها ارجاع الإتحاد إلى واجهة التفاوض وطاولة المفاوضات، فهو أول من أطلق اسم "الوافد الجديد" على حزب الأصالة والمعاصرة، وتقرب تكتيكيا من حزب العدالة والتنمية في زمن كان فيه هذا التقرب بمثابة مخاطرة لكونه سيقود المشهد السياسي إلى مفهوم "الكتلة التاريخية" التي نادى بها المرحوم محمد عابد الجابري. نتائج هذه المبادرة كانت إيجابية حيث دفعت الدولة إلى مراجعة إستراتيجيتها السياسية والحد من زحف "الحزب الأغلبي". وبعد شعوره بالتحولات السياسية زمن الربيع العربي، والتي أعطت انتصارا سياسيا للمنطق المحافظ وما لذلك من تداعيات محتملة قد تفضي إلى استبداد جديد على أساس ديني (ديكتاتورية دينية محتملة)، تحول لشكر إلى مواجه شرس لحزب عبد الإله بنكيران مقدرا أن الوضع الحالي يستدعي تكوين جبهة حداثية لمواجهة الزحف المحافظ (تجاوز مفهوم الكتلة الديمقراطية). ابتدأ هذا المشوار بالدفاع على عدم المشاركة في حكومة عبد الإله بنكيران وفتح باب الحوار والتفاوض مع حزب الأصالة والمعاصرة والأحزاب المتحالفة معه مؤكدا أن الإتحاد بروافده النقابية والنسائية والشبيبية هو القادر على قيادة الجبهة الحداثية لخلق نوع من التوازن في موازين القوى السياسية في البلاد. وبالفعل، أعلن مباشرة بعد ذلك أن زمن المهادنة مع حزب بنكيران قد ولى، وأنه حان الوقت للنضال من جديد من أجل تفعيل حداثي وتقدمي للدستور الجديد في أفق تحقيق الملكية البرلمانية، والبدء في بلورة استراتيجية حزبية محكمة لمحاربة الاستبداد والفساد، حيث أصبح بهذا الظهور البارز الشخص القادر على مواجهة تحديات المرحلة التي تتميز باختلال التوازن بين القوى السياسية وطنبا وإقليميا وجهويا.
فبعد مسار طويل بذل فيه المجهودات الضرورية في المجال التنظيمي، والتي كانت أحد محطاته الأساسية ترؤسه لحفل افتتاح المؤتمر الجهوي بجهة الغرب الشراردة بني احسن، وتواصله القوي مع القطاعات النقابية والنسائية والجمعوية (كان حضوره قويا في تشكيل المنسقية الوطنية للعمل الجمعوي)، ودعمه لعمل الأجهزة في العديد من الأقاليم والجهات (تمكن من تحريك سواكن التنظيم)، أصبح يؤمن بموت الزعامة التاريخية، وكون الطبيعة لا تؤمن بالفراغ، وأن كل شيء قابل للاسترجاع. لقد حرص منذ رسوبه في المؤتمر الثامن على الاشتغال في الظل ولم يتوقف عن الاستعداد للفوز بالقيادة من خلال الاتصال المستمر بالتنظيمات والقواعد حيث تمكن من اقتحام القلاع التي لم تكن في صالحه، وكانت نتيجة فوزه نسبيا منتظرة.
خاتمة
إن التأمل في مسار إدريس لشكر السياسي، وباستحضار الضوابط التي تفرضها قيادة حزب تاريخي عريق كالإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لا يمكن لنا أن نعتبر أن وصوله إلى القيادة كان أمرا مفاجئا، وأنه سيحول الحزب، كما جاء في جريدة الأيام عدد 550 بتاريخ 27 دجنبر 2012، إلى ورش كبير لحفر الحضيض، وتسابق الحفارون على الحقائب والمناصب، وتسابق مساعدو الحفارين على وظيفة هنا أو فرصة عمل هناك، بل وصوله فرضته نباهته وتفرغه للعمل السياسي ومنطق التحولات الدولية، تحولات تتطلب فتح الصراع السياسي على كل الواجهات، وخلق الفضاءات الضرورية التي ستمكن كل المناضلين من تفجير طاقاتهم والتقرب أكثر من المواطنين، وتعبئة المجتمع من أجل الدفاع على القيم الكونية والمبادئ العالمية وخلق نوع من التوازن بين المحافظين والتقدميين والحداثيين. وهذه أمانة ثقيلة سيتحملها لشكر، أمانة تتطلب توحيد الصفوف، وتقوية العزائم عند كل المناضلين، وخلق المحفزات الضرورية لعودة الغاضبين. ما ينتظره منه المناضلون هو بذل المجهودات اللازمة في ورش المصالحات مع كافة الاتحاديين، وإعطاء الانطلاقة لعملية تجميع أو تنسيق عمل قوى العائلة الاتحادية أولا، ثم اليسارية ثانيا. مسؤوليته في تنفيذ برنامجه ستكون جسيمة كذلك لأنها تقتضي الحرص على تماسك الحزب، وتجاوز الخلافات، والتوجه إلى المستقبل، والعمل على استفادة الحزب لموقعه الريادي في المشهد السياسي والحزبي والانتخابي وتشبيب بنيته وهياكله.
أما فيما يخص الهجوم الإعلامي على العرس الاتحادي، نقول أنه من واجب كل الفاعلين الاجتهاد من أجل تقوية حب الوطن عند الأفراد والجماعات في المجتمع، والحرص على تقوية الفعل السياسي والحزبي ببلادنا. وعليه ننبه أن الحملة المثيرة لظاهرة "الشعبوية"، كصفة ألصقت بالقيادات السياسية، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى تبخيس السياسة وتحويلها في تمثلات المواطنين إلى مجرد ممارسات فرجوية.
المطلوب اليوم من المتتبعين هو إعطاء الوقت اللازم لهذا القائد الجديد لتنفيذ برنامجه الذي تعاقد من خلاله مع المناضلين، وتأجيل الحكم على أداءه إلى نهاية فترة قيادته.