سعيد بوطيب
يقول جون راولز " لابد أن يتم إدماج الجماهير في السياسات والمؤسسات الديمقراطية بشكل يراعي هوية ومصالح المواطنين وبشكل يحقق المساواة بين الجميع، وذلك من خلال تمثيل الجماهير والمواطنين بمواقعهم الاجتماعية الطبيعية في المجتمع ضمن هذه البني والسياسات الاجتماعية بحيث أن هذا التمثيل يكون حقيقيا عاكسا لظروفهم ومعيشتهم الواقعية ".
انطلاقا من هذه المقولة وأخذا بعين الاعتبار مختلف التعاريف المرتبطة بمجال صناعة السياسات العمومية وعلى الخصوص القرار العمومي، يبرز دور مشاركة المواطنين في هذا الفعل، منذ لحظة التفكير مرورا بالبرمجة والتنفيذ وصولا للتقييم وفق دورة هذه السياسات العمومية، والتي تكون المحطة الأخيرة بداية جديدة لدورة جديدة. مع الانتباه أن الحديث هنا عن صناعة القرار وليس اتخاذه، أي استحضار تسلسل منطقي لعملية دينامية اشمل وأوسع، تتكون تحليليا من ثلاث مراحل أو عمليات فرعية هي المرحلة الفكرية (ما قبل القرار) والمرحلة التنظيمية (اتخاذ القرار) ومرحلة ما بعد القرار، يعد فيها اتخاذ القرار بمثابة حلقة (مرحلة وسيطة) تربط بين مرحلتين.
مناسبة التقديم الرغبة في فهم أصل عزوف المواطن المغربي وعدم مشاركته في الفعل السياسي (منه وبه في المشاركة في الشأن العام)، مع محاولة البحث عن مواطن الخلل وسبل التجاوز.
1- تساؤلات عامة ممهدة:
- هل الخلل في البنية الثقافية للمواطن؟
- هل الإصلاحات المعتمدة (وعلى الخصوص بعد دستور يوليوز 2011) غير كافية وغير ملائمة لاسترجاع مناخ الثقة؟
2- فرضيات وملاحظات:
- الثقافة السائدة لدى المواطن مؤسسة على "كاع أولاد عبد الواحد واحد" و " وتعيا تعزل فأولاد الكلبة تعزل جرو"، بمعنى بنية ثقافية تعتبر الفاعل السياسي مرادفا ل"التشلهيب" والوصولية، والفعل السياسي مستنقع للممارسات الانتهازية.
- خيار الديمقراطية التشاركية وسيلة لتوسيع المشاركة، حيث كل مواطن هو فاعل سياسي -بمعنى ما-، لكن الإشكال يلخص في عدم امتلاك المداخل العملية لتصريف المكنات الدستورية وآليات التنزيل.
أولا: أرقام ومعطيات
بحسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط، كمؤسسة رسمية مكلفة بالإحصاءات والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، فأن 70 بالمئة من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5 بالمئة فقط يؤمنون بالعمل الحزبي، و1 بالمئة يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية، مع أن الشباب يمثلون 40 بالمئة من الكتلة الناخبة.
من جانب آخر، كشفت نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية، حول توجهات المواطنين وتطلعاتهم من الانتخابات العامة لسنة 2021، أن حوالي 60 بالمئة من المستجوبين لا يثقون في الأحزاب السياسية، فيما عبر 11.5 بالمئة فقط عن ثقتهم في هذه الأحزاب، وأكد 26.6 بالمائة منهم أن ثقتهم غير تامة.
أرقام ناطقة ومعبرة عن واقع، لكنها غير صادمة، تبرز الحاجة إلى حكامة سياسية ليبقى سؤال: كيف يمكن أن تبنى هذه الحكامة وماهي مقوماتها؟ ضرورة آنية تساءل الفاعل السياسي رسميا كان أو غير رسمي.
ثانيا: الديمقراطية التشاركية/ الإشراك الحقيقي والفعال جزء من الحل
يشكل مدخل التشاركية وتعزيز مشاركة المواطنات والمواطنين في دورة السياسات العمومية (القرار العمومي جزء منه) واحدا من الآليات التي تسمح بتحقيق نوع من التعاون والتضامن والحوار والاستشارة والتشاور مع المؤسسات المنتخبة، والسلطات العمومية بخصوص إعداد السياسات العمومية، وبرامج التنمية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، واقتراح قرارات ومشاريع، وتقديم ملتمسات في مجال التشريع وعرائض تهم مناحي الحياة العامة. ويمكن ضبط هذه المشاركة المدنية الفاعلة في صياغة واتخاذ السياسات والقرارات العمومية عبر مجموعة من الآليات والتي يمكن إجمالها في:
1- المرافعة من أجل إيصال مطالب المواطنات والمواطنين والمرتفقين وإسماع صوتهم للمؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وذلك عبر عرائض وملتمسات (كدور للمجتمع المدني)؛
2- التعاقد من أجل التعاون والتضامن من أجل فعل سياسي عقلاني، مبني على الثقة المتبادلة بين الفاعل السياسي والمدني، والعمل على تجاوز معوقات تنافر المصالح، وتباعد الأهداف والتطلعات بين المؤسسات العمومية ومكونات المجتمع المدني، والاحتكام إلى ثقافة النتائج، واحترام الأدوار، وتكامل الوظائف والموارد، وتفاعلها؛
3- العضوية في هيئات الحكامة، بشكل يمكن المجتمع المدني من المشاركة في جميع مراحل إعداد القرار العمومي واتخاذه وتنفيذه وتقييمه، وتقاسم المسؤولية مع مختلف هيئات ومصالح الدولة، في إطار من التضامن والتعاون؛
4- المساءلة المدنية للمؤسسات العمومية، من مجالس منتخبة وسلطات عمومية، وفق منهجية وقواعد تتأسس على تغليب المصلحة العامة، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتواصل والحوار بشأن حصيلة تنفيذ برامج ومشاريع التنمية وكل ما يخص القرارات التدبيرية والمالية لمناحي الحياة العامة وصيانة حقوق المواطنات والمواطنين وكرامتهم؛
5- تجديد الذات الحزبية، من خلال تجديد الخطاب، التمايز الأيديولوجي، برامج منسجمة مع الخلفيات الأيديولوجية؛