لحسن الجيت
صحيح أن القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن في قضيتنا الوطنية كان صادما للنظام الجزائري وخلف انتكاسة أكبر من تلك التي تسببت فيها الحرائق التي أتت على الأخضر واليابس في منطقة القبايل. فحجم الانتكاسة هذه المرة كان ثقيلا لأنه مع مجيء المدعو رمطان لعمامرة أو عودته على رأس الدبلوماسية الجزائرية، رفع سقف تطلعاتهم إلى مسألة تغيير اللعبة وآليات العمل بالمراهنة على استصدار قرار أممي في ملف الصحراء أملا في محاصرة المغرب. وقد نزل النظام الجزائري بكل ثقله لكي يتم إقحام ملف حقوق الإنسان ضمن اختصاصات المينورسو، وإرغام المغرب على الانسحاب من منطقة الكركرات، والأخطر من هذا وذاك هو التخطيط المبيت للقفز على مبادرة الحكم الذاتي لعام 2007 والاستعاضة عنها بمقتضيات عام 1991 وهي مقتضيات تجاوزها المنتظم الدولي لأنها ليست واقعية ولا تقدم حلولا للمشكل المفتعل.
والواقع أن هذا النظام لم يفشل فقط في تحقيق ما كان يريده، بل استفاق على حقيقة مروعة تتجلى في كونه قد أهدر أموالا طائلة للشعب الجزائري من أجل استقطاب لوبيات وتسخيرها لإعادة النظر في قواعد اللعبة. وإذا كان المغرب الذي وجد نفسه أولا معزز الجانب بعدالة قضيته وبمصداقية مبادرته عند الجميع، وثانيا بمؤازرة من حلفائه، فإن النظام الجزائري رغم ما روج له من دعاية بأن روسيا كحليف ستقف إلى جانبه في قلب الموازين، ظهر هذا النظام كم هو معزول وأن ما كان يدعيه لم يكن سوى افتراءات وأضغات أحلام لطالما راودت جنرالات الجزائر.
وليس من همنا أن نلتفت لما حصل لكي نشمت في ذلك النظام بعد أن تبين أنه أهون وأصغر بكثير من أن نشد إليه الانتباه وأنه لا يستحق ذلك الجدل. فالمغرب بدبلوماسية الحكماء ينأى بنفسه أن يلعب لعبة الصغار، وليس لديه وقت يضيعه في الترهات بقدر ما هو معني بتحصين مكاسبه وتعزيزها بمكاسب أخرى في ذات المحفل مع ضرورة اليقظة من أن الخصم بعد هذا الفشل الذريع الذي مني به قد يحاول نقل المعركة إلى محافل أخرى . وفي هذا الصدد، يجب نهج دبلوماسية استباقية ومحاصرة الخصم في المربعات التي يدعي التحكم فيها. فماهي إذن هذه المربعات التي يجب التركيز عليها:
1 ـ بعد هذا الإنجاز الذي تحقق مع القرار التاريخي والفاصل لمجلس الأمن الدولي، تأكد أن ما كان يروج له النظام االجزائري من دعاية مغلوطة في صفوف المحتجزين لدى مخيمات الذل والعار لم يكن ذلك سوى أكذوبة لطالما تم التضليل بها ساكنة تلك المعتقلات. وقد آن الأوان أن يجدد المغرب دعوته لأبنائه في تلك المخيمات بالعودة إلى وطنهم الأم لتخليصهم من تلك المعاناة وفتح المجال لهم
للمشاركة مع أشقائهم ومع أبناء عمومتهم في النهضة الشاملة التي تعرفها كل الأقاليم الصحراوية. ونعتقد أن التوقيت جد مناسب للتحرك في هذا الاتجاه سيما في ظرفية تشهد فيها تلك المخيمات حالة من الإحباط والغليان والسخط العارم من خلال شن مظاهرات طالبت بالعودة إلى الوطن الأم والتي واجهها الجيش الجزائري بالقمع لإسكاتها وإخمادها. بل أكثر من ذلك أن سكان المخيمات كسروا حاجز الصمت والخوف بعد أن صاحبت خرجاتهم شعارات ورموزا حيث حشدت الهمم بأغاني المسيرة الخضراء. وهي إشارات قوية يجب علينا أن نستحضرها.
2 ـ ما حدث من تصحيح في الكركرات وما ترتبت عنه من ردة فعل دولية كانت إيجابية يحمل دلالات قوية على أن الطرح المغربي قد حظى بالتزكية والدعم بمعنى أنه ليس له اعتراض على الكيفية التي عالج بها المغرب الوضعية الشاذة. وفي ضوء التهديدات التي أطلقها اليوم مرتزقة البوليساريو من قبيل التملص من التزامات اتفاق وقف إطلاق النار بما يحيل على أنهم سوف ينحون في اتجاه الخيار العسكري، فإنها قد تكون فرصة أمام بلادنا لإشهاد العالم مرة أخرى على هذه الخروقات المتكررة بعدما تكون قد أظهرت مزيدا من ضبط النفس لنهيئ الأرضية المناسبة حتى تكون للإجراءات التي قد يتخذها المغرب صدى إيجابيا وتفهما دوليا على غرار ما حدث في محاولة الاستيلاء على الكركرات. حجة المغرب في ذلك أنه لن يقف مكتوفي الأيدي أمام كل الانتهاكات التي قد نسجلها على ذمة الخصم.
3 ـ هناك إشارات واضحة في بيان وزارة المدعو رمطان لعمامرة تفيد بوجود إمكانية العودة إلى الاتحاد الإفريقي لاستصدار قرارات أو توصيات للاستعانة بها من أجل توريط ذلك المحفل في توسيع دائرة المواجهة مع الأمم المتحدة، عوض أن يظل النظام الجزائري كرأس حربة. ولذلك، فإن المغرب مدعو إلى محاصرة الخصوم وأن يعكس مخرجات القرار الأممي 2602 في دواليب الاتحاد الإفريقي من خلال الاستعانة بأصدقائه وحلفائه والبحث عن إمكانية الترويج لمشروع الحكم الذاتي بداخل الأجهزة الإفريقية كمبادرة تنطوي على حل سياسي وواقعي والمعزز بإشادة دولية. كما يمكن للمغرب في هذا الصدد أن يستأنس في الدفع بهذا الاتجاه بتراجع العديد من الدول عن اعترافها بما يسمى بالجمهورية الصحراوية بما فيها عدد كبير من الدول الإفريقية التي افتتحت قنصليات لها في كبريات المدن بالأقاليم الصحراوية. فالباب اليوم بات مفتوحا لتسريع الوثيرة لتعليق الجمهورية إلى حين البث فيها من الهيأة الأم أي منظمة الأمم المتحدة. كما أن هناك عدة منتديات إفريقية شاركت فيها شخصيات سياسية وازنة ورجال فكر تطرقت إلى هذه المسألة إما بطرد هذا الكيان أو في أحسن الحالات تجميد عضويته.
فالوضع الراهن بعد مضي ما يقارب نصف قرن من عمر هذا النزاع المفتعل، يشير إلى وجود تضارب المشهد العام في كلا البلدين: مغرب لم تزده السنون إلا قوة وصلابة في مختلف الحياة العامة رغم كل الأعباء التي حملها هذا النزاع المصطنع، وجزائر منهكة منهارة القوة بعد أن صرف حكامها كل ثروات الشعب الجزائري في قضية لا تعني هذا الشعب في شيء. ولأنها قضية وطنية لشعب بكامله فيما هي نقطة في أجندة سياسية لنظام معزول يبقى رهان كسبها والحسم في مسارها بيد المغرب وليس بيد الجزائر.