احتجاحات بالحراريين بطنجة بسبب مسجد

شوارع باريس تكتسي اللون الأبيض استعدادا لاستقبال الشهر الأخير من السنة الميلادية

ضربة سـكين تنهي حـياة تلميذ بطنجة ومطالب بضرورة التدخل ومراقبة أبواب المدراس

استيراد اللحوم المجمدة يخلق جدلا واسعا.. مواطنون ومهنيون يرفضونها ويتسائلون: هل هي حلال؟

وهبي: في اجتماع اليوم برئاسة رئيس الحكومة اتفقنا على تفعيل قانون العقوبات البديلة

تفاصيل مثيرة حول اعتقال "ولد الشينوية" على لسان مشتكين

العلمانية : مطلب شعبي أم استيراد غربي ؟

العلمانية : مطلب شعبي أم استيراد غربي ؟

حسن الحكيمي

 

كثر الحديث في الآونة الأخيرة ـ خصوص في دول الربيع العربي ـ عن شكل الدولة المرجوة بعد أنظمة الاستبداد والفساد المطاح بها ،بين داع لدولة مدنية بمرجعية إسلامية ومناد بدولة علمانية يفصل فيها الدين عن الدولة ،وينعدم التوظيف السياسي للدين مستلهما التجربة الأوربية وما وصلت له من نتائج مذهلة نتيجة هدا الفصل وما حققته من نهضة وتقدم وديمقراطية وحرية إنسانية لمواطنيها ،مما يستدعي السير على خطاها ومنوالها لتحقيق النتائج داتها في الوطن العربي متغافلين الخصوصية العربية وتمسك الأمة بدينها الإسلامي الجامع والناظم لأمور الدين والدنيا .فباستقراء نتائج الانتخابات في بلدان الثورات العربية يظهر تفوق التيار الإسلامي في أول انتخابات حرة ونزيهة حسب كل المتتبعين والمراقبين ،وتراجع التيار العلماني مما يجعل المتتبع يتساءل عن جدوى الدعوة للعلمانية من بعض التيارات والأحزاب العربية . فهل مطلب العلمانية مطلب شعبي نابع من الإرادة الشعبية للجماهير العربية كما طالبت به الشعوب الأوربية في عصور النهضة ؟ أم أنه مطلب لنخبة مغربة ترى في الدين أفيون للشعوب ؟ أم هو توظيف لشعار العلمانية للوصول لغايات مدمرة ؟ وهل من بديل لهدا الشعار يقرب بين وجهات النظر ويحقق الحرية والتقدم المنادى بهما من كل التيارات ؟  

للإجابة عن هده الأسئلة وتحليلها نستدعي مفكرين عربيين أحدهما من المشرق ( برهان غليون ) والأخر من المغرب ( محمد عابد الجابري ) لنستقي من أفكارهما ما يوضح الحقائق ويستجلي الغموض ويقترح البدائل ويقرب وجهات النظر ،ودلك عبر محورين :

ـ العلمانية مفهوم دخيل :

إن انهيار الدولة العثمانية الحارسة للدين عبر مؤسسة الخلافة الإسلامية أظهر في العالم العربي تيار يدعو للتخلص من السيطرة العثمانية ويعيد قراءة علاقة الدين بالدولة وفق رؤية تجديدية كما اعتقد صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم " علي عبد الرزاق الذي انتقد مفهوم دولة الخلافة بتأكيده على طابعها العرفي ،وبالتالي خطأ الاعتقاد بإقامة النظام السياسي على مبادئ الدين وقواعده ،نقل المعركة الفكرية إلى مستوى جديد لم يكن الكثير من الناس يدرك في دلك الوقت خطورته بعد .خصوصا بظهور الجامعة الإسلامية الداعي أصحابها للتمسك بالخلافة لحماية الدين .مما بلور رؤيتين متعارضتين في موضوع الدولة والشرعية السياسية ،الأولى دينية تقليدية والثانية حديثة مستمدة من أفكار القومية المنتصرة في الغرب ،ومع شدة وطأة الاحتلال الغربي نشأت الحركة الوطنية كظاهرة سياسية وقفت إلى حد كبير على مسافة واحدة من النظم السياسية الدينية التقليدية ،ومن النظم الحزبية الحديثة لأن الهدف هو التخلص من الاستعمار وتحقيق الاستقلال دون التفكير فيما بعد التحرر .

وبعد الاستقلال ظلت الفكرة القومية ملهما رئيسيا بل وحيدا للدولة ،والسياسة الرسمية في المجتمعات العربية ،وأخذت الضغوط والطلبات تزداد مند بداية السبعينات على الفكرة الإسلامية من قبل الشارع ،ومن قبل الدولة نفسها في بعض الأحيان ،في حين شهدت الفكرة القومية والعلمانية التي ارتبطت بها شيئا فشيئا ،تراجعا كبيرا على المستوى النفسي والعقدي والسياسي .فقد حل مفهوم الدولة الإسلامية محل مفهوم الخلافة والإمامة في حين أصبحت العلمانية رديفة للحداثة القومية .وتأكدت بدلك من جديد القطيعة التقليدية المتزايدة بين الفريقين . حيث يعتقد القومي العلماني أن بناء الدولة لن يستقيم إلا إدا أخد بما يظن أنه نظرية الدولة الحديثة بامتياز ، أي فلسفة العلمانية ،كدين للدولة ويؤمن الثاني بأن العرب والمسلمين لن يتمكنوا من الخلاص وتحقيق الأمن والاستقرار والسعادة الأرضية والأخروية إلا إدا نجحوا في إعادة بناء الدولة العربية على الأسس ذاتها التي قامت عليها دولة الرسول صلى الله عليه وسلم .هدا الصراع والقطيعة بين المرجعيتين الإسلامية والعلمانية عاد للظهور مع الثورات العربية واكتساح التيار الإسلامي للساحة مما ولد مخاوفا لدى العلمانيين بالنكوص عن قواعد الديمقراطية والرجوع إلى دولة يحكم ويبرر فيها الاستبداد بالسلط باسم الدين حسب اعتقادهم مما يتطلب فصل كل ماهو ديني عن السياسة في شكل علماني للدولة متناسين بدلك حقيقة معرفية مفادها أن المفهوم ، أي مفهوم ،لا يأخذ معناه الحقيق إلا من التجربة التاريخية التي يدخل فيها ،ومن الشحنة المعرفية ،والعاطفية التي تعطيها له هده التجربة في الوعي الاجتماعي بصرف النظر عن المعنى الأصلي الذي كان يرتبط به لدلك يرى الأستاذ برهان غليون أن العلمانية في الوعي السياسي العربي ليست ماعرفتها به النصوص الأولى للثورة السياسية الأوربية ،ولكن ماشحن به مفهومها من معاني وعواطف ومضامين خاصة عبر تجربة القرن الماضي ،ومن خلال الصراع العقدي والسياسي في المجتمع العربي يمكن أن تجعلها تختلف اختلافا جذريا عما كان يقصد بها في مرحلة التأسيس والنشوء .

وباستحضار تجربة أوربا المسيحية نلاحظ أن فصل الدين عن الدولة ،وإعطاء ما لله لله وما لقيصر لقيصر قد تجلى في ثلاث صور حسب الأستاذ محمد عابد الجابري :

ـ الصورة الأولى : هي التي عرفتها المسيحية في بداية ظهورها :لقد كانت هناك دولة على رأسها قيصر الإمبراطور الروماني ،لاتدين بدين معين بوصفها دولة ،وكان هناك من جانب آخر المسيح ابن مريم عليه السلام ومن بعده الآباء .والعلاقة بين الدين والدولة هنا كانت علاقة عداء .

ـ الصورة الثانية : فتبدأ مع القيصر قسطنطين الأول أو قسطنطين الكبير ،الذي قرر إثر انتصاره في إحدى حروبه 312م الاعتراف بالمسيحية كدين للإمبراطورية الرومانية مما فتح الباب للكنيسة الكاثوليكية لتصبح دولة داخل دولة .بل لتتحول في فترات طويلة من تاريخ أوربا إلى مؤسسة تعلو على الدولة .

الصورة الثالثة : ارتبطت بالنهضة الأوربية وظروفها والتي اتسعت إلى فصل الدين عن الدولة : "إلى العلمانية " .

فالعلمانية وما تثيره من لبس حتى لدى من يدعونها هي ترجمة غير موفقة لـ " اللا ئكية " بالفرنسية ،دلك لأن كلمة " لايك " لاترتبط بأية علاقة اشتقاق مع لفظ " العلم " إن أصل الكلمة يوناني " لايكوس " ومعناها ماينتمي إلى الشعب إلى العامة ودلك في مقابل " كليروس " أي الكهنوت : رجال الدين الدين يشكلون فئة خاصة ،وإذن فاللائكي هو كل من ليس كهنوتيا ، من لاينتمي إلى رجال الدين .

ـ بدلا من" العلمانية " الديمقراطية والعقلانية:

إن اللائكية فكرة مرتبطة أصلا بوضعية خاصة ،وضعية المجتمع الذي تتولى فيه الكنيسة السلطة الروحية ،المجتمع الذي يكون فيه الدين مبنيا لا على العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه . بل على علاقة تمر عبر " رجل الدين " الذي يتخذ العمل الديني مهنة ووظيفة ،وأوضح من دلك أن هده الفكرة غريبة تماما عن الدين الإسلامي وأهله ،فالدين الإسلامي قوامه علاقة مباشرة بين الفرد البشري وبين الله فهو لايعترف بأي وسيط وليس فيه سلطة روحية من اختصاص فريق وسلطة زمنية من اختصاص فريق آخر .وباختصار يقول المفكر عابد الجابري: فإن طرح شعار اللائكية أي ماترجم بـ " العلمانية " في مجتمع يدين أهله بالإسلام هو طرح غير مبرر غير مشروع ،ولا معنى له .

طرح شعار " العلمانية " أول ماطرح في العالم العربي في منتصف القرن الماضي :وكان الدين طرحوه هم مفكرون مسيحيون من الشام . الذي كان خاضعا للدولة العثمانية والمسيحيون العرب الدين نادوا بـ "العلمانية " يومئذ إنما أرادوا التعبير بكيفية متواضعة خجولة ،عما عبر عنه بقوة وصراحة مفكرون عرب آخرون حينما حملو ا " شعار الاستقلال عن الترك " ثم حدث أن التقى الشعاران ،أو التياران في شعار واحد وتيار واحد ،هو ما عبر عنه تيار " العروبة " ثم " بالقومية العربية " إذن فشعار العلمانية طرح في العالم العربي في ارتباط عضوي مع شعار " الاستقلال عن الترك " ،ومن هنا جاء تبني الفكر القومي العربي لشعار العلمانية الذي كانت دلالته ملتبسة بمضمون شعار الاستقلال والوحدة .وعندما استقلت الأقطار العربية وبدأ التنظير لفكرة العروبة و" القومية العربية " طرح شعار العلمانية من جديد وخصوصا في الأقطار العربية التي توجد فيها أقليات دينية .إذن حسب الأستاذ الجابري فالدلالة الحقيقية لشعار " العلمانية " في هدا الإطار الجديد إطار التنظيم لدولة الوحدة ،كانت مرتبطة ارتباطا عضويا بمشكلة حقوق الأقليات الدينية ،وبكيفية خاصة حقها في أن لا تكون محكومة بدين الأغلبية ،وبالتالي فـ " العلمانية " على هدا الاعتبار كانت تعني بناء الدولة على أساس ديمقراطية عقلاني وليس على أساس الهيمنة الدينية .وفي خضم الجدل السياسي الإيديولوجي بين الأحزاب والتيارات الفكرية ،عبر بعضهم عن هدا المعنى " بعبارة فصل الدين عن الدولة " وهي عبارة غير مستساغة إطلاقا في مجتمع إسلامي ،لأنه لامعنى في الإسلام لإقامة التعارض بين الدين والدولة .فمسألة العلمانية حسب الأستاذ الجابري في العالم العربي مسألة مزيفة ،بمعنى أنها تعبر عن حاجات بمضامين غير متطابقة مع تلك الحاجات .

إن الفكر العربي مطالب بمراجعة مفاهيمه وتدقيقها وجعلها مطابقة للحاجات الموضوعية المطروحة .الأمر الذي جعل الأستاذ الجابري يقترح استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي وتعويضه بشعاري " الديمقراطية " و" العقلانية " فهما اللذان يعبران تعبير مطابقا عن حاجات المجتمع العربي .

الديمقراطية تعني حفظ الحقوق : حقوق الأفراد وحقوق الجماعات ،والعقلانية تعني الصدور في الممارسة السياسية عن العقل ومعاييره المنطقية والأخلاقية ،وليس عن الهوى والتعصب وتقلبات المزاج . هدا من جهة ،ومن جهة أخرى ،فإنه لا الديمقراطية ،ولا العقلانية ،تعنيان بصورة من الصور استبعاد الإسلام ، كلا .إن الأخذ بالمعطيات الموضوعية وحدها يقتضي القول أنه إدا كان العرب هم " مادة الإسلام " حقا ،فإن الإسلام هو روح العرب .ومن هنا ضرورة اعتبار الإسلام مقوما أساسيا للوجود العربي : الإسلام الروحي بالنسبة للعرب المسلمين والإسلام الحضاري بالنسبة للعرب جميعا مسلمين وغير مسلمين .  

 

ـ برهان غليون : " نقد السياسة " الدولة والدين : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت ـ الطبعة الثانية ـ 1993.

ـ محمد عابد الجابري :" الدين والدولة وتطبيق الشريعة " سلسلة الثقافة القومية ( 69 ) ـ مركز دراسات الوحدة العربية  ـ الطبعة الأولى ـ فبراير 1996 ـ بيروت لبنان .


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات