محمد الصرصري
رغم أن الحروب لا تجني سوى الدمار والخراب والفقر والبؤس والتخلف، مما يجعل كل مسؤول عاقل يجنب بلاده الوقوع فيها إلا إذا فرضت عليه فرضا وكانت عواقب تجنبها أفظع بكثير من الدخول في غمارها، نرى أن الإخوة في الجزائر يسعون جاهدين لفرضها على الشعبين الجزائري والمغربي اللذين كانا بالأمس القريب رفيقين في خندق واحد يحاربان جنبا إلى جنب القوات الفرنسية لطردها من التراب الجزائري، وكانت أرض المغرب مأوى وملاذا آمنا للمقاومة، وشعبه حاضنة ومشارك فعال في الجهاد والاستشهاد، ولم يكن في مخيلة أحد أن يصبح أشقاء الأمس أعداء اليوم.
لقد استرخصت دماء أشقاء أمس الغالية من أجل تحرير الجزائر من براثين الاستعمار واليوم تسترخص دماء الشعب الجزائري لأجل تقسيم وتجزيء أرض المغرب.
يا لها من مفارقة عجيبة وغريبة لا يقرها إلا مجنون فاقد العقل.
يتبجح بعض قادة الجزائر أنهم أوفياء للنهج الديمقراطي مدافعين عن مبدإ حقوق الشعوب في تقرير مصيرهم، مناهضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني، مناصرين للقضية الفلسطينية، أوفياء لدماء شهداء التحرير... كل هذا كلام جميل ما لم يبخسه الواقع، فالواقع المعاش هو أنهم جاثمون على صدور الشعب الجزائري الشقيق رغما عن أنوفهم فصراخ الاحتجاجات التي بحت بها حناجرهم والمطالبة بحكومة مدنية منذ عامين لم تجد صداها إلى الآن، أضف إلى ذلك المجازر الشنيعة التي تعرض لها الشعب الجزائري والتي بلغ ضحاياها مئات الآلاف، ذنبهم الوحيد أنهم فازوا بالأغلبية في الانتخابات الجزائرية، وتم إقصاؤهم من طرف النظام " الديمقراطي" الجزائري، أي احترام هذا لمنهجية حرية الرأي والاختيار؟
أما التطبيع وقطع العلاقات التجارية مع الكيان الصهيوني، فيكفي أن البترول والغاز الجزائري كان يباع لإسرائيل ودول أخرى في واضحة النهار رغم قرار الدول العربية باستخدام البترول كسلاح سنة 1973 ، أما مناصرة القضية الفلسطينية والعربية؛ فالجميع يعلم أن المغرب شارك بجيشه وعتاده في حرب الجولان وسيناء وقدم الكثير من خبرة أبنائه شهداء المعارك، وبعد عودته قدم جميع عتاده الحربي هدية للجيش السوري، ظانا منه أنه ليس في حاجة إليه لكون حدوده البرية كلها متاخمة للجزائر وموريتانيا الشقيقتين، ولم تمر سنتان حتى طعن المغرب في الظهر من طرف الأشقاء الجزائريين بتواطئ مع النظام الفرنكاوي الإسباني بتكوين عصابة البوليزاريو على أرض الجزائر وتسليحها وتأطيرها وشراء أبواق مستأجرة لتأييدها لدى المحافل الدولية، نكاية في المغرب ساعية إلى خلق كيان لم يكن له وجود من قبل، مسخرة جيشها الشعبي النظامي في التأطير والتوجيه والمشاركة الفعلية في العمليات القتالية ضد أشقائهم المغاربة، إلا أن هذا الجيش الجزائري لم ير له أثر في الجولان أو سيناء بل منع من المشاركة في تلك الحرب من طرف قادته بحجة أن الدستور الجزائري لا يسمح للجيش الجزائري بالمشاركة في العمليات خارج تراب الجزائر لكن حينما تعلق الأمر بالمغرب، عُلق الدستور وسُمح للجيش الشعبي الجزائري بتنفيذ العمليات ومهاجمة الجيش الملكي المغربي على أرض المغرب، كما أنه وفاء لحسن الجوار واعترافا بالجميل لحاضني وحاضنات المقاومة الجزائرية على أرض المغرب وتمجيدا لأرواح الشهداء المغاربة الذين قدموا أرواحهم فداء لتحرير الجزائر، أقدمت السلطات الجزائرية على طرد وتشريد وسلب ممتلكات المواطنين المغاربة المقيمين بالجزائر بصفة قانونية وتفريق الزوج عن زوجته وأبنائهم إذا كان الزوج جزائريا والزوجة مغربية والعكس صحيح، وكان عددهم أكثر من أربعين ألف عنصر وتم هذا الفعل على الطريقة النازية.
واليوم يطالعنا جنرالات الجزائر بشطحات الدياك مهددين بالحرب وكأنما الحرب نزهة وتسلية غير آبهين بالأرواح التي ستزهق لا قدر الله من الجانبين مما يبين ضعف البصيرة وقلة التبصر.
فالشعب الجزائري والمغربي يحتاجان إلى من يقول لهما: تعالوا إلى البناء والتشييد لا إلى الهدم والخراب، فالبلدان الرائدة انتقلت بشعوبها من الفقر إلى الغنى بتدبير من قادتها طبعا. ونحن نراهن على من سيكون أفقر من الآخر وتموقعها في موقع المستهلك لا موقع المنتج ويا ليتنا نستهلك الخبز والحليب لا الصواريخ والأسلحة المستوردة.
كفانا خرابا فشعوبنا تحتاج إلى من ينقذها من الظلم والطبقية والمحسوبية والفقر والجهل والتبعية بدل الشعارات الجوفاء، والآذان الصماء حتى تنعم بعيش كريم في اطمئنان وسعادة لا تخشى من مرض ولا فاقة، وهذا لن يتأتى إلا إذا غير بعض قاداتنا خطابهم المهووس بالحقد والكراهية والخوف من شعوبهم وتصالحوا مع أنفسهم واقتنعوا أنهم خدام لشعوبهم مؤمّنون على أرواحهم وأرزاقهم لا مستعبدين لهم.