رشيد أخريبيش
بالرغم من المناشدات التي أطلقتها الشعوب العربية في وجه حكامها وبالرغم من كل المبادرات التي اتخذتها لإرسال رسائل لهؤلاء ،ورغم كل المحاولات لإقناعهم على ترك السلطة وإعطاء فرصة لهذه الشعوب لكي تتنفس الحرية وتنعم بالديمقراطية إلا أن هؤلاء مصرون على البقاء مهما كلفهم ذلك ولو على حساب أرواحهم والأمثلة كثيرة في أوطاننا العربية والإسلامية.
كلما قررت الشعوب أن تنفض عنها غبار الديكتاتورية، وتحاول الرقي إلى الديمقراطية وتحقيق الكرامة إلا وتصدت لها الأنظمة بكل الوسائل فتارة تصف الشعب الثائر بالجماعات الإرهابية وتارة تصفه بالعميل للدول الأجنبية وتارة أخرى تصفه بعدو الأمن والاستقرار، وتحاول شيطنته لئلا تكون نهايتها على أيدي هؤلاء قريبة ،حيث تحاول ما أمكن أن تزيد في عمر حكمها الاستبدادي الذي بلا شك أصبح مهدد الآن أكثر من أي وقت آخر.
متى ستفهم الأنظمة العربية شعوبها؟ أو بعبارة أخرى متى ستستجيب لدعوات شعوبها التي تطالبها بالرحيل ؟يبدو أن هؤلاء لم يفهموا الرسالة، أو بالأحرى لا يريدون فهم هذه الرسالة لسبب بسيط لأنهم ألفوا العروش واستأنسوا براحتها ،وتعودوا على استعباد الشعوب والتلذذ بمعاناتها ،فكيف نأتي بهذه السهولة ونطالب هؤلاء بالرحيل والتنحي عن السلطة التي يبني معها هؤلاء علاقة وطيدة لا تنتهي إلا عبر الموت .
حتى بعد ثورات ما سمي بالربيع الديمقراطي التي أسقطت أنظمة ديكتاتورية في العالم العربي والإسلامي، والتي كنا نتمنى أن يتعلم منها الحكام الدروس لكن لم يتغير موقف هؤلاء بعد هذه الثورات واستمرت في رفضها التنازل عن الحكم الذي غالبا ما انقضت عليه عبر انقلابات سلمية أو دموية أو عبر انتخابات مزورة غالبا ما تكون نتائجها 99 في المائة.
كلما استفاق شعب من شعوب العالم العربي أو دول المغرب الكبير وقرر الحذو نحو تقليد الثورات، إلا وسارعت هذه الأنظمة إلى اعتبار ذلك غير ممكن وأن بلدانها استثناء وأن تجربة الثورة لا يمكن أن تتحقق ، لكن ما إن تبدأ شرارة الثورة حتى يبدأ هذا الحاكم في تغيير وسائل مواجهة الشعب حيث ينتقل من مرحلة استخدام وسائل الإقناع إلى مرحلة إعلان الحرب التي غالبا ما يلتجأ إليها الزعماء لإجهاض الثورة وقمعها وجبر الشعب على القبول به تحت القوة ،وهذا ما شاهدناه مع انطلاق ثورات الربيع الديمقراطي، حيث سلكت الأنظمة نفس الطريق ورفضت تسليم السلطة للشعب وما كان من هذا الأخير إلا أن يصعد ويختار طريق المواجهة وإن كان ذلك قد كلفه الكثير.
بعد ثورة تونس التي أطلق شرارتها الشهيد البوعزيزي كانت الدول المجاورة تعتقد أن هذه التجربة لا يمكن أن تنتقل إليها ،ففي ليبيا التي كانت ضيعة للقذافي وأبناءه لم يفوت زعيمها وملكها الفرصة إلا ويعتبر ليبيا بعيدة كل البعد عما حدث في تونس وأن ليبيا أكبر من يسقط نظامها بتلك السهولة التي سقط بها في كل من تونس ومصر ،نفس الشيء بالنسبة لحسني مبارك الذي كان يردد عبارة الاستثناء مع انطلاق ثورة 25 من يناير ويعتبر أن مصر ليست تونس على الإطلاق ،لكن إرادة الشعب وعزيمته على التغيير أسقطت كل مخططات هذا الفرعون الذي جثم على صدور المصريين لعقود وفتح أرضهم على مصراعيها للعدو الصهيوني وساعده على تثبيت أقدامه في أرض فلسطين ،ليجد نفسه في النهاية في قبضة الشعب متهما.كذلك هو الشأن مع النظام السوري الذي يقمع الثورة ويضرب بيد من حديد كل من يهتف بإسقاط النظام كما فعل نظام أبيه الذي قمع الثورة وأمر بقتل حوالي 20 ألف شخص سنة 1982 في حماة عندما قرر الشعب أن يثور ضده.
نفس السيناريوهات تعاد بعد عامين من انطلاق أولى شرارة الثورات في تونس والتي كانت البداية لنشر فكر الثورة في العالم العربي والإسلامي فالأنظمة التي كنا نعتقد أنها ستتعلم الدروس من هذه الثورات وتتعظ بما ألت إليه عروش أصدقائها الذين كانوا بالأمس ألهة بشرية يسبح بحمدهم ويركع لهم ويسجد لهم ويضرب بهم المثل ، لكن على ما يبدو فهؤلاء لم يتعلموا الدروس ولن يتعلموا، شعارهم الخالد السلطة أو الموت حيث لا خيار لديهم ما دام أنهم يعانون مرض السلطة الذي يمنعهم من تسليم السلطة إلى الشعب .
بالرغم من أن التاريخ مليء بالأمثلة والتجارب التي نجحت من خلالها الشعوب لوضع حد للتسلط والاستبداد لا زال حكامنا ممن لم تعصف بهم رياح التغيير ، يتجاهلون حركة التاريخ ويرفضون استلهام الدروس والعبر من حركات التغيير التي استطاعت أن تكسر جدار الصمت ورفعت شعار إسقاط الديكتاتورية ونجحت في إزاحة أنظمة تسلطية فردية كانت تستأثر بالحكم إلى الأبد.
بعد عقود من الظلم والاستبداد وبعد سنوات من القمع والديكتاتورية، يبدو أن ثورات الربيع الديمقراطي فتحت المجال للحكام العرب ممن لا زالوا يعضون على كراسي السلطة بالنواجد وأعطت لهم الحق في التنحي وتسليم السلطة للشعب قبل فوات الأوان ،وقبل أن تطالهم المحاكمات أسوة بأصدقائهم الذين رمت بهم شعوبهم إلى مزبلة التاريخ