سعيد المودني
نعم، وبالمقارنة، فإن إيران عازمة، والأنظمة العربية واهنة خائرة، كما مضى في المقال الماضي.. لكن ذلك العزم ليس خالصا سليما صافيا من الشوائب، وإن كانت الصورة الندية الظاهرة في مجابهة الغرب المتغطرس، تغري وتبهر وتخلق إعجابا لدى مواطني البلدان المهزومة.. وعليه يكون تبطين الانبهار بإيران على المستوى التقني والسياسي وإدارة الأزمات شيئا عاديا.. فالناس انبهروا وينبهرون بصمود منديلا، وصعود البرازيل والهند وكوريا، وانتشار الصين، ومتانة وانضبط الألمان... ولا عيب في الإعجاب بالناجح.. لكن يجب أن يبقى الإعجاب في مجال تحقيق وحيازة الإعجاب.. فلا يمكن أن نعجب بالبوذية، مثلا، لأن نمور آسيا قد قفزوا، ولا بالهندوسية لآن الهنود قد انبعثوا، ولا بالمسيحية لأن الألمان قد أتقنوا، ولا بالإلحاد لأن الصينيين قد غزوا... كما لا يمكن النفور من الإسلام لأن المسلمين -الآن- قد افتتنوا!!!..
بعبارة أخرى، فإن الانبهار واقع على النفس البشرية، وأثره محسوس.. لكن الفارق أن الناس قد خلطوا الانبهار بإنجازات الحزب في الجنوب، وإنجازات النظام الإيراني على المستويين العسكري والسياسي ولي ذراع العم سام وإرضاخه لتفاوض متكافئ(حسب الظاهر من الأفعال والأقوال على الأقل)، بل وتحقيق استقلالية مكنته من العيش محاصرا لسنوات لا يقدر نظام آخر العيش في ظروفها طيلة تلك المدة... أقول: خلطوا، وأسقطوا هذا الانبهار على العقيدة الطائفية!!!.. والصواب أنه لو صح هذا الأمر لصح أن ننبهر بالشنتو والبوذية والكونفوشيوسية... وغيرها من ديانات المبدعين المجدين اليابانيين.. بل لأدى الأمر إلى الكفران بهذا الدين كله، ما دام أهله -حاليا- لا يدلّون على خير!!!..
وأكثر ما يتغنى به المنبهرون المبهَرون هو "قيادة إيران لفيلق مقاومة الصهاينة".. غير أن البجاحة قد وصلت ببعضهم أن قرروا أن "الله مع إيران، بدليل أن كل العالم يحاربها، وهي تخرج دائما منتصرة، خاصة في اليمن، وفي سوريا أين شُنت عليها حرب عالمية بالوكالة قصد كسر "المقاومة""!!!.. وهذا استفزاز مستفز، يستوجب بعض التشريح، لن نفصل فيه في صحة إطلاق -دون قيد- استلزام النصر لمعية الله سبحانه وتعالى، وإسقاطه على أمثلة مضادة لن يكون أولها ولا آخرها حكم 16 مليون يهودي لأكثر من 7 مليارات إنسان(...)..
كما أننا لن نسطر على التحالف مع الروس، أعداء الدين والتدين والمتدينين عبر التاريخ الحديث، وبالأخص المسلمين، قبل لينين، وبعد بوتين، في كل الجمهوريات السوفياتية، بل وخارجها..
وأيضا لن نعرج على حجم الدمار وبشاعة القتل وشناعة التعذيب الموثقة بالصوت والصورة،، المتجاوزة لحالات الانفلات الفردي إلى النهج النظامي لدى قتلة البعث النظاميين، ومليشيات الشبيحة، بمباركة وحماية ومساعدة الحرس الثوري..
لكن، وفي موضوع مناصرة المقاومة: هل يكفي أن تكون مقاومةً للاحتلال الصهيوني ووكلائه في بلدان المسلمين، أم يشترط فيها أن تكون شيعية المذهب؟؟!!!..
هل قامت "قائدة محور المقاومة" بوضع يدها في يد مخرجات الثورات العربية التي قامت لتطيح بالمستبدين المحليين، ثم تنفذ إلى رعاتهم الصهاينة(الثورة المصرية كمثال)، قصد تحصين المحور وتقويته، في أفق تحقيق الهدف الأكبر: "طرد اليهود من فلسطين"، كما يظل الإيرانيون يرددون؟؟!!!..
هل ناصروا الليبيين الذين تكالب عليهم العالم أجمع طمعا في نفطهم، وخوفا من تحررهم؟؟!!!..
هل فعلوا ذلك مع الجزائر في تسعينيات القرن الماضي حين حاولت أن تكون هي قاطرة التحرر والمقاومة؟؟!!!..
أم أن الأمر لا يلزم، ما دام لا "المطحونون"، ولا التيار شيعة يؤمنون بولاية الفقيه؟؟!!!..
ماذا كان يضر إيران لو تركت السوريين واليمنيين يقودون ثورتهم؟ أم أن القاطرات يجب أن تنتمي للطائفة؟؟!!!..
لماذا "سلّمت"/تسلمت العراق من "الشيطان الأكبر" قبل أن يرجعا في البيع؟؟!!!..
لماذا السكوت عن إبادة الروهنغيا، بل والتحالف مع مبيدي الإيغور؟؟!!!..
لماذا تتدثر إيران بالطائفية حتى في إغاثة مسلمي القارة الإفريقية، فتتدخل في النيجر أو نيجيريا، حينما يكون الضحايا شيعة، ولا تتدخل في إفريقيا الوسطى عندما يكون المبتلون سنة، في خذلان مقيت، ليس فقط للطائفة والمذهب، بل للعقيدة نفسها؟؟!!!..
ثم، عن أية مقاومة يتحدثون؟ هل الأمر يتعلق بوقف زحف الكيان اليهودي، أم بطرده من أرض فلسطين؟
إذا كان الجواب هو المحاصرة، وهو ما يمكن أن يسوّق بشواهد الحدود الشمالية، فإن اليهود أنفسهم مكتفون بما احتلوه من أراض منذ البداية، وهي أرض فلسطين التاريخية كما نعرفها في الخريطة التي تضم أراضي 48 والضفة والقطاع، وحتى الجولان وسيناء لم يبادروا باحتلالها حتى أهداها لهم القوميون مخضبة بدماء المغدورين.. بل هم قد خرجوا من غزة ""طوعا""، لأن اليهود، كما هي "الموضة"، فهموا الدرس: لا حاجة باحتلال مباشر يكلف الأرواح والأموال والسمعة،، واهتدوا إلى احتلال "ناعم"(صوفت)، بالوكالة، بصفر تكلفة، وذلك من خلال تسلل عصابة الصهاينة إلى عروش الكيانات المعربة، وتعيين كراكيز ظاهرة تحركها العصابة من وراء الستر، مع الإمعان في التواري، محافظة على "الشرعية"،، وسعيا لجني الأرباح خالصة،، دون أدنى خسائر..
أما إذا كان الجواب هو طرد المحتل، فلا نذكر جيشا مقاوما زحف على حدود الكيان الغاصب..
يتبع..