اسماعيل الحلوتي
وفق ما كان مبرمجا لها من قبل وزارة الداخلية، جرت يوم الخميس 21 يوليوز 2022 بكل من دائرتي الحسيمة ومكناس الانتخابات الجزئية، فجاءت نتائجها مخيبة لآمال الأمين العام لحزب "المصباح" ورئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران، صاحب أكبر معاش استثنائي في تاريخ المغرب المعاصر. إذ بدا واضحا أن الحزب الإسلامي الكبير فقد ما تبقى له من قوة وأبت صناديق الاقتراع إلا أن تعيد للأغلبية الحكومية مقاعدها البرلمانية كاملة بدون نقصان. وكانت هذه الاستحقاقات بمثابة محك حقيقي لأحزاب التحالف الحكومي الثلاثي في معرفة مدى استطاعتها الحفاظ على "شعبيتها" أمام أزمة غلاء أسعار المحروقات، وانعكاسها على باقي المواد الأساسية.
وجدير بالذكر أن المحكمة الدستورية كانت قد قررت في سابقة هي الأولى من نوعها خلال 18 ماي 2022 الإطاحة دفعة واحدة بأربعة برلمانيين فائزين في اقتراع 8 شتنبر 2021، ويتعلق الأمر بكل من: نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، محمد الأعرج وزير الاتصال الأسبق وعضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، محمد حموتي القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، وبوطاهر البوطاهري القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار. وذلك بناء على طعن تقدم به مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض عبد الحق أمغار حول: "عدم تقيد بعض المرشحين بضوابط الحملة الانتخابية التي سنتها السلطات العمومية، في إطار إنفاذ المرسوم بقانون رقم 20.292.2 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وتنظيم تجمعات انتخابية دون ترخيص واحترام لمتطلبات التباعد الاجتماعي والوقاية المتخذة، في إطار محاربة وباء كورونا"
وبدائرة مكناس الانتخابية، ألغت ذات المحكمة المقعد البرلماني للقيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار بدر الطاهري، بعلة: "عدم أهليته للترشح، ووجوده في وضعية تصفية قضائية بصفة شخصية، بناء على حكم المحكمة التجارية بمكناس رقم 36 صادر في 14 دجنبر 2017 في الملف عدد: 36/8308/2017.
وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، تمكنت أحزاب الأغلبية استرجاع مقاعدها في الدائرتين السالفتي الذكر، بيد أن المفاجأة الوحيدة هي أن المرشح الاتحادي عبد الحق أمغار استطاع انتزاع مقعد المرشح الحركي محمد الأعرج. إذ أتت النتائج المعلن عنها في دائرة الحسيمة على النحو التالي: في المرتبة الأولى بوطاهر البوطاهري عن حزب "الحمامة" ب"10259" صوت، متبوعا بمرشح حزب "الجرار" محمد الحموتي ب"9416" صوت، تلاهما نور الدين مضيان مرشح حزب "الميزان" ب"7955" صوت وحل في المرتبة الرابعة مرشح حزب "الوردة" عبد الحق أمغار ب"7103"، وعادت المرتبة الخامسة إلى مرشح حزب "الحصان" ب"6965" صوت، والمرتبة السادسة لمرشح "السنبلة" ب"6071" صوت، والمرتبة السابعة والأخيرة لمرشح "المصباح" ب"726" صوت فقط.
فيما أسفرت نتائج انتخابات دائرة مكناس عن فوز التجمعية صوفيا طاهري ب"17095" صوت متقدمة بفارق شاسع على منافسها عبد السلام الخالدي مرشح حزب العدالة والتنمية، الذي لم يحصل سوى على 5773 صوت، دون أن تتجاوز الأصوات المحصل عليها من قبل باقي المرشحين سقف 860 بالنسبة للمرتبة الثالثة و727 لصاحب المرتبة الرابعة...
وبقدر ما كانت أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة وفي مقدمتها حزب "التجمع الوطني للأحرار"، تراهن بشدة على نتائج هذه الانتخابات، للتأكد مما إذا بقيت محافظة على كتلتها الناخبة خلال الشهور العشرة المنصرمة من عمر الولاية التشريعية، واسترجاع مقاعدها النيابية الملغاة من قبل المحكمة الدستورية. بقدر ما كان عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية "المعارض"، يسابق الزمن من أجل اختبار قوته في إلحاق الهزيمة بغريمه عزيز أخنوش، من خلال الحملة الانتخابية التي قادها بنفسه في الدائرتين الانتخابيتين وإصراره الشديد على تحويل هذه المحطة الانتخابية إلى استفتاء شعبي ضد الحكومة وقائدها، معتمدا في معركته "الوجودية" على سلاح الأزمة المرتبطة بالارتفاع المطرد في أسعار المحروقات وحجم الاحتجاجات الشعبية الصاخبة في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن الانتقادات الحادة الموجهة للحكومة، جراء القرارات المتسرعة والأداء الحكومي المتعثر...
ثم إنه بصرف النظر عما شهدته هذه الاستحقاقات في الدائرتين معا من تدافع سياسي قوي وخاصة بين حزبي "الحمامة" و"المصباح"، وما تم تسجيله من ضعف في المشاركة، يعود إلى عدة عوامل متداخلة، يظل أبرزها عامل العطلة الصيفية وعامل فقدان غالبية المواطنات والمواطنين الثقة في المؤسسات والنخب السياسية وغيرهم، فإن قراءة سريعة للنتائج المعلن عنها من لدن الجهات المختصة، تؤكد على أن البيجيدي تلقى صفعة أخرى لا تقل إيلاما عن سابقتها في تشريعيات 8 شتنبر 2021.
إن ابن كيران مازال يعيش وهما كبيرا منذ أن ساقته الصدفة ذات خريف عربي لتولي رئاسة الحكومة، معتقدا أنه "الزعيم الأممي" الأوحد الذي بدون وجوده لا تستقيم الحياة السياسية، ولا يمكن للأمور أن تسير في الاتجاه الصحيح إن على مستوى الحزب أو الحكومة. وزاده غرورا حصوله على أكبر معاش استثنائي، وإعادة انتخابه أمينا عاما لذات الحزب الذي أذاق المغاربة مختلف ألوان الظلم والقهر خلال قيادته الحكومة لولايتين متتاليتين. إذ يكاد لا يتوقف عن مهاجمة ليس فقط الحكومة ورئيسها، بل كل من يعتبرهم خصومه من سياسيين ونقابيين وصحافيين ومثقفين وأساتذة وكل شيء يتحرك فوق الأرض، في محاولة خلق دينامية جديدة للحزب ترد له "مجده الضائع"... فهل تعيده نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة إلى جادة الصواب، ويدرك حجم حزبه الحقيقي داخل المشهد السياسي؟