سعيد المودني
تابع..
إن المشكلة الأم عند العلمانيين العرب بمختلف مشاربهم هي عدم استيعابهم أو استحضارهم أو هما معا لمفهوم الخضوع كمكون أولي، بنيوي، أساسي(كما تم بيان ذلك في جزء سابق من هذا المقال)، بل وحيد، لمسمى الدين ومبدأ التدين.. أي أنهم لديهم عيب مبدئي في فهم جوهر الدين وماهية التدين!!!.. وغير خفي أن من لم يدرك حقيقة شيء لن يبني في التعامل معه رؤى واضحة ولا صحيحة ولا صائبة ولا منصفة، لأن ما بني على باطل فهو باطل،، وما بني على خطأ فهو خاطئ..
والخضوع هو الانقياد والامتثال التام لكل تعاليم وتوجيهات المخضوع له، ما دامت أصيلة،، ومنها، في حالتنا هذه، المبادرة والانبراء للدفاع عن المعتقد.. لكن "أصحابنا" يؤاخذون على الناس الدفاع عن الشرع ويسعون لـ"دسترة" منعهم،، وفي نفس الوقت يتهمونهم بـ"احتكار الدين".. أي أنهم لا يدافعون عن الدين،،، ولا يدَعون من يدافع عنه!!!..
والحق أن الدفاع عن دين الله، والسعي لإعلاء كلمته، وحفظ شرعه، والغيرة عليه... هي مهمة منوطة بحكم الوجوب على كل مسلم، كل حسب مجاله وطاقته. والناس همم وهموم وتكوينات ومشارب. فلا يضر من التزم بالدفاع مَن خنَس إلى الخذلان جهلا بواجبه، أو سعيا إلى مغنم، أو خوفا من مغرم، أو انحيازا لطائفة... بل هو قد أضر نفسه بالتخاذل واستئثار السلامة والمغانم..
وتأسيسا عليه، لا يستساغ "حياد" تجاه "تهجم" على دين الله، تقديحا كان أو تلبيسا أو تدليسا... سواء كان التهجم ناتجا عن جهل، أو كان "بدافع مؤامراتي". وسواء كان ممن هو خارج المنظومة الدينية تصريحا، أم ممن يُحسبون ضمنها،، بل وبال هؤلاء أخطر وجرمهم أفدح، بما يكتسب ادعاؤهم من مصداقية بحكم "شهد شاهد..."..
لا يمكن للمسلم، إذن، تجاهل ما يراه إساءة وازدراء للدين.. لا يمكنه إلا أن يسعى للدفاع عما يؤمن به ويعتقد وجوبَ الدفاع عنه خاصة، ولتغيير المنكر -وفق المتاح- عامة، ولا منكر أنكر من التجرؤ على الله سبحانه وتعالى، أو دينه الحنيف... فالتهجم على دين الله يوجب الدفاع عنه..
إذا كان حتى الحليم لا يصبر على تقديح ذويه على رؤوس الأشهاد، فكيف بتقديح المعتقد، ولا تكون الحياة ولا الممات إلا به وله، ولا يُنزَل ربُّه إلا منزلة أحب من الأب والأم والولد والناس أجمعين؟؟!!!..
المتخبطون لا يكتفون بالامتناع عن الدفاع عن الدين متى انتهكت حرمات أي مكون من مكوناته، في بقاع المعمور، ولا بالإنكار على المنافحين فقط، بل يقومون بممارسات غريبة، عصية على التصنيف..
في مظهر أرعن بالنسبة للمؤمنين، ترى القوم يخرجون في نشاط جماهيري شعبي يروم تحصيل حق دنيوي.. حتى إذا ما سمعوا ترديد شعار ذكر فيه "في سبيل الله" بصيغة من الصيغ، تراهم قد فزعوا وافرنقعوا وغيروا المواقع خشية أن تصيبهم "تقدميتُهم" و"حداثيتهم" الحساستان من ذكر الله، أقول: يخشون أن تصيباهم بلعنة،، ولا يعلم المرء إذا لم يكن العمل في سبيل الله، في سبيل من يجب أن يكون؟ ثم مَن -غير الشيطان- يجزع ويهرب عند سماع اسم الله؟؟!!!.. مع أنه، لو صفت النية وأُخلص العزم، يمكننا تحصيل الحسنييْن، بل ومطلوب منا ذلك،، ولأجله خلقنا.. فالأكيد أنه يمكننا أن ندعو للعدل والعدالة والإنصاف والكرامة والحرية ... دون أن ننحاز ضد هويتنا،، بل ننحاز لها بما هي حافز دافع لذلك ومساعد عليه.. وليس شرطا أن أكون "متوجسا" من هويتي "مستعرّا" منها كي أكون "مناضلا" أدافع عن المواطنين و"القيم".. وليس مطلبا أن ألبس رداء جهة "كونية" معينة كي أكتسب الشرعية، أو أجد لي مكانا فيها، أو أشق لي طريقا نحوها..
يتبع..