سعيد المودني
تابع..
"إبداع" "علمانيينا"، ومن لا نعرف لهم "أصلا"، يصل قمته عندما يطالب "المعتدلون" منهم(لأن "غير المعتدلين" لا يعترفون بمثل هذه المفاهيم أصلا)، عندما يطالبون بالاجتهاد الفقهي والانعتاق من أغلال تراث القرون الأولى، بحجة أن ذاك التراث لا يساير مستجدات العصر الاجتماعية والسياسية والثقافية والتربوية والعلمية والتقنية... من جهة، وهو، من جهة أخرى، مجرد اجتهاد بشري يمكن لبقية البشر أن يقوم بمثله.. لذا فهم يطالبون بالتخلي عن ذلك، والاستنباط مباشرة من النص/الأصل..
ولأن الدعوة إلى التطوير تبقى محمودة في كل الأحوال، فلا يمكن نفي أن المطالبة بالاجتهاد قد تحتوي، مبدئيا، على قدر معتبر من الغائية والمشروعية والصحة والصواب،، لو دلت القرائن على صفاء النيات..
لكن، بالإضافة إلى التحفظ، بل الريبة التي تلف منطلقات هذه المطالبات المشبوهة، وسياقاتها ودعاتها وصيغها المبطنة، فإن مبدأ التنكر الكلي للتراث لا يصح، لأن مبدأ الإرث والتوريث حاصل مبدئيا في مكونات أي تراث، وإن اختلف الورثة في متاهات المسير.. وعليه لا يمكن عمليا استئصال الإرث في التجارب البشرية، لكن تمكن، وأحيانا تجب، معارضة "موروث" ثبت فساده، مع توفر الشروط اللازمة كثبوت الفساد، وأهلية المصلح العلمية والهوياتية... غير أن مشكلة أصحابنا أنهم يظلون يرددون أن "المشكل ف التراث"،، لكنهم يا للأسف لا أحد منهم على الإطلاق أتي يوما ببديل، ولن يستطيعوا، لأنهم جهلة في الدين، مسلطون عليه!!!..
المفارقة أن نفس هؤلاء المطالبين يسعون حثيثا -من ضمن ما يسعون إليه- إلى "تدريج" اللغة(طبعا ما لم "يفرنس" منها)!!!..
فكيف السبيل -على المستوى الشكلي فقط- إلى الفهم من أجل الاستنباط، ما دامت "النصوص الأصلية" لم تنزل، ولم تدوّن بـ"الدارجة"(أو الفرنسية)؟؟!!!... أم يريدوننا أن ينطبق علينا "مثل الغراب"، نفرط فيما نمتلك حاليا، ونعجز عن إيجاد غيره؟؟!!!...
لماذا لا يجتهدون هم أنفسهم ويصنفون لنا مصنفات فقهية ضابطة لحياة الأمة(فردا وجماعة)، بـ"الدارجة" أو بـ"الشلحة" أو حتى بالفرنسية؟؟!!!.. أم أنهم لا يفهمون حرفا من تلك النصوص/الأصول؟؟!!!.. أم أنهم لا يقرؤونها أصلا؟؟!!!..
إن استخراج الأحكام أو تقييمها يتطلب تخصصا وآليات وموارد معرفية كبيرة، وهو ما يغيب عن غالب المتطاولين، ولا يستحضرونه بتاتا عند الخوض في الدين، بل يكتفون بالاستدلال العقلي المجرد، واعتماد مرجعيات غريبة عن الدين.. في حين لا يتقبل الناس خوض أي غريب في تخصص آخر، على تفاهته وأهمية الدين عند المؤمنين!!!..
إن الاتباع يجب أن يكون للأحكام ما دامت قائمة، والدعوة للإفتاء يجب أن تكون في المنقوض أو المستجد..
"طرائف" "أصدقائنا" لا تنتهي، ومنها أن تجد من بينهم من يستدل بالنصوص الشرعية، غير أنه حينما يستدل بها الآخر في موضع آخر، يعترض عليه بداعي أن للنصوص حيثيات وجبت الإحاطة بها، وللاستدلال بها معايير وجب توفرها..
والحال أن شرعية ذاك الاستدلال يجب أن تؤسس لقواعد وجب احترامها والالتزام بها من طرف الكل: هل نعتمد النصوص "الخامة"، ونستدل بها مباشرة؟ أم نعتمد الأحكام "الجاهزة" التي استنبطها من لهم الصفة؟.. لأن الاستدلال لا يخلو أن يكون بالاستناد إلى الأحكام "الجاهزة"، أو بالاستنباط من النصوص والحيثيات، للمؤهل الذي يمتلك الصفة والصلاحية وأدوات "الاجتهاد" والاستنتاج..
معلوم أن منهج الاستدلال بنصوص معزولة مباشرة من طرف العوام يطرح فعلا معاضل. وعلى سبيل المثال، فإن مناولة أي نص حول "القتال" و"الكفار" و"المدنيين"... تُمكّن من تعريةَ صعوبة التعامل مع المصادر النصية مباشرة.. ذلك أن أي متعامل "متعقل" مع تلك النصوص والاستنتاجات المستنبطة منها رأسا سيسارع إلى المطالبة بتحديد ما يطالَب به عادة في مثل هذه المواقف من مراعاة السياق، وسبب النزول، والناسخ والمنسوخ... وكل أدوات ومكونات النسق المفاهيمي والإجرائي للتعامل مع النص الشرعي.. وهي مطالبة محقة، بل ضرورية، لكن، يجب أن ترسّم في كل الحالات،، وليس بانتقائية، بحيث نجيز هنا الاستدلال بالنص الأصل لأي كان، ونطالب هناك بالالتزام بالحكم الناتج، بحجية عدم إلمام المستدل بكل حيثيات النص!!!..
إن الاستناد إلى النص والاستنباط منه مباشرة لا يؤدي المراد منه إلا في شروط معينة.. أما القاعدة فهي وجوب مراعاة الكثير من الشروط لاستنتاج الأحكام من النصوص المصادر.. وعليه، وضمانا للسلامة، يجب اعتماد الأحكام الفقهية التي راعت كل هذه الضوابط وغيرها من أجل الاستنباط الذي يهم العامة..
إن الإيمان بمفهومه العقدي، الذي يناقض الكفر، عموده الخضوع والتسليم، وهو "حزمة" كلية، لا يؤخذ منه ويُترك، ولا يجوز الإيمان ببعضه والكفر ببعض، وله أركان ونواقض، ومن كفر بجزء من صحيحه فقد كفر،، وإن ما يطرح هؤلاء ليعارض صلب صحيح المعتقد(مرة أخرى، الكلام هو عن التنظير/الإيمان، أما الممارسة فلا ينجو من السقوط في تطبيقاتها إنس، عدا المعصومين)..
انتهى..