سعيد المودني
تابع..
أما بالعودة إلى مرتكز دفاعه.. هب أن "الأغيار" فعلا "كادوا يسيطرون على المساجد ويحدثون الفوضى". فجاء تدخل الأجهزة الرسمية لمنع ذلك..
لماذا لم تُقرّ هذه الأجهزة الصحيح وتمنع الباطل، وهي التي تتبع "المذهب" الذي يرى(في المثال الذي نحن بصدده) بترتب الجبر على التكبير الجهري في الصلاة السرية(والأمثلة كثيرة، مر أغلبها في مقالات سابقة)..
فرضا، إذن، كان عليها أن تعمل على فرض المعتمد من الفقه، وتمنع غيره، وليس أن تحابي وتتمادى..
ما الذي يمنعها من اعتماد المعتبر، أو يرغمها على اعتبار البدع الدخيلة؟؟!!!..
لماذا هذا الحرص غير المفهوم على "تطقيس" شعائر الله و"ترسيمها"، ولو بالعرف، أو بما خالف الراجح من القول؟؟!!!..
كيف يستساغ موقف من يدافع عن باطل حتى بالمعايير التي يتبناها هو؟؟!!!.. وكما سبق: دون أدنى داع..
أعن مثل هذا الخروج يتورط الشريف في التبني والدفاع؟؟!!!..
أم هو الهوس الهستيري والرغبة الجامحة في الخضوع؟ وهذا ليس فقط من باب "ضرورة الاعتياش"، وإنما "حبا وإكراما"،، مع أنّا التبس علينا الأمر حتى بتنا لا نعلم من يجب أن يخضع لمن: هل "العلماء" للبلاط، أم السلطة السياسية هي التي يجب أن تخضع لتوجيه ورقابة ورثة الأنبياء؟؟!!!.. وقد كان مجرد الوقوف في باب السلطان مظنة تهم يحاذرها الصادقون!!!..
إن السلطة قائمة بذاتها، قادرة، تملك من أسباب القوة والجبروت، ما يجعلها ليس ليست في حاجة لمن يقف بجانبها فقط، بل يجعل الناس في حاجة ماسة وملحة لمن يقف بجانبهم كيما يحميهم من طغيانها وتسلطها وتجبرها!!!..
بالرجوع إلى مسألة "الغرباء"، هل هؤلاء الأغيار الغرباء هم غرباء في الحقوق فقط، أم في الحقوق والواجبات؟ بمعنى هل يجب منعهم من التدخل في شؤون المسجد فقط، أم يجب منعهم من ذلك، لكن وإعفاؤهم -بالموازاة- من مصاريفه؟ وهم الذين يقومون بشؤون المسجد والإمام والخطيب والمؤذن والمنظف... خاصة في البوادي والأحياء الفقيرة..
ثم، لماذا السكوت على "تدخل الغرباء" في الزوايا و"مساجد رجال التبليغ" وغيرها مما يساير الركب ويسبح مع التيار، ولو أشاعوا البدع وانفردوا بـ"طقوس" خاصة بهم، وكأنها(الزوايا...) عيادات أو مدارس أو معاهد خصوصية، والمساجد الأخرى "مؤسسات" عمومية مؤممة؟؟!!!..
إن الخطيب واعظ، لكن لا أحد فوق الوعظ.. كل الناس يحدُث أن يكونوا واعظين وموعوظين حسب سياق الأحداث.. وبمناسبة الوعظ هذا، أحب أن أعرّج ولو بعجالة(لأني أطلت في الموضوع في مناسبات سابقة) على مسألة، وهي أن الأصل في خطبة الجمعة أن تكون وعظا شاحنا لبطارية الإيمان لمدة أسبوع على الأقل، وليست درسا في العلوم الشرعية، إلا ما اقتضته ضرورة أو سياق معين،، ومعروف أن الضرورة تقدر بقدرها، كما يقول العلماء.. لكن كثيرا من خطبائنا لا زالوا مرتبطين بخطب عصر السجع والنظم، أو دروس الفقه والسيرة(طبعا من نجا منهم من خطب "المخابرات الدينية")... ولا يلتفتون إلى الوعظ انطلاقا من أحداث الحي أو المدينة أو البلد أو حتى العالم التي يجب على الواعظ استغلالها واستثمارها في تقديم وعظ يرغّب في جيدها وينفّر ويحذر من سيئها..
فرُب مصلّ يعلم كثيرا من الحلال والحرام "الكلاسيكي"، لكنه لا يعرف حكم الحلاقة النشاز التي يمتثل بها أمام الخطيب.. ورب آخر لا يعلم حكم جلب صبي لم يتعد السادسة من عمره أمام نفس الخطيب، يشوش على الناس إنصاتهم(إن كان هناك ما يجدر الإنصات إليه) وصلاتهم، وربما قد يشوش حتى على ذاك الخطيب إلقاءه... لكن الواعظ لن يتعرض طبعا لهذه الأحداث المستجدة الواجب التنبيه لها، لا بل سيذكّر بفضل الصيام وجزاء الكاذب،،، أو يسرد أحداث غزوة بدر الكبرى، في انفصام تام عن الواقع ومعالجة انحرافاته الطارئة!!!..
بحق، يحق للمرء أن يتساءل كيف لواعظ أن يعظ، وهو لا يسعى حتى لتغيير مخالفة فقهية تقع أمام عينيه، وهو نفسه يقر ويصرح أنها مخالفة؟؟!!!..
سبق أن أقررت أني أقسو على القيمين على بيوت الله، لكن قداسة وحرمة ما يجب أن يكونوا عليه، من جهة، وفداحة الجريمة التي يقترفون، بما يمكّنون المستبدين من توظيفهم واستغلالهم، فلا يملكون إلا بهم كرُكن شديد من أركان الاستبداد، من جهة ثانية، تسوّل لي أن القسوة ربما تكون مبررة..
أعرف أئمة وخطباء، على قلتهم، يحاولون جهدهم في التوفيق بين "المنصب" والواجب، فيقاربون أقصى ما يمكنهم تلبية الواجب بحق ونباهة.. وما لم يستطيعوه، يعترفون بخطأ ما يقترفون ويستغفرون أمام الأشهاد.. خطباء حذّاق مهرة، يحسنون حتى فن التعامل مع المفروض/المرفوض(كبعض الأدعية مثلا)، فلا يقعون في أي محظور من المحظوريْن: لا المحظور الشرعي بشهادة الزور، ووصف شخص بما ليس فيه، وإسناد فضل لغير أهله، ولا "محظور السلطة" بمخالفة العرف والتعليمات..
انتهى..