سعيد المودني
نستأنف سلسلتنا بعد المقال العرضي المنشور على مدى الأسبوعين الماضيين، ونصل فيها إلى المقال الأخير من هذا "المليْف"، وهو(المقال) يدور حول مشكلة مصطنعة، تصر أنظمة الخزي والعار المعربة على إثارتها في كل "موسم ديني"، أي اختلاف وتعدد أيام الصيام والإفطار والأعياد لدى المسلمين،، أعضاء الأمة الواحدة.. وأنوه أني نشرت أكثر من مرة حول الموضوع. وفي كل مرة يكون هناك محفزات تعيد إثارة الموضوع..
فالصوم، مثلا، هو شعيرة مرتبطة برؤية استهلال الهلال الذي يؤشر على بداية يوم جديد من شهر جديد.. ونفس اليوم لا يتعدد في الكرة الأرضية.. فهو يوم واحد يبتدئ في الشرق قبل الغرب، وينتهي كذلك،، لكنه يبقى نفس اليوم.. وإن ابتدأ سريان مفعول إجراء -لسبب ما- متأخرا في الغرب(بعد أن يكون مضى "جزء من يوم الشرق")، فإنه يأخذ أثره ومفعوله في اليوم الموالي في الشرق..
نعم هناك اختلاف للمطالع، لكن هذا الاختلاف لا يصل حدا يكون هناك "يومان مختلفان لنفس اليوم"!!!.. كما أن الاختلاف المذكور يخضع لترتيب معين من الشرق إلى الغرب بحيث لا يمكن أن يُرى الهلال في الفلبين والسنغال، مثلا، ولا يرى في باكستان وأثيوبيا.. وهذا هو "اللامعقول" الذي جسده عملاء هذه الكنطونات التي تدعي رؤية الهلال في الإمارات والجزائر وغيابه في اليمن وليبيا!!!..
نتجاوز الجانب العلمي الفلكي الذي لسنا أهله..
فرضا أن ما يدعي أصحاب "نظرية المطالع" الاعتماد عليه صحيح.. هل المطلع يشمل الجغرافيا الطبيعية الثابتة، أم الجغرافيا السياسية المتغيرة؟ بحيث يكون مطلع أمّة من الناس يقيمون في منطقة معينة تشكل أحد مسطحات سايكس-بيكو، ثم يصبح المطلع مطلعين عند الانفصال أو "الانقسام الخلوي" المحتمل الوقوع في أية لحظة،، والعكس بالعكس عند الاتحاد،، طبعا غير المحتمل!!!..
هل الصيام يجب على "من رأى الهلال" بمنطق، ومن منطلق المَطالع الجغرافية الفلكية، أم بمنطق، ومن منطلق حدود السلطة السياسية؟؟!!!..
إذا كان بمنطق المطالع، وهو الأجدر، هل توافق كلُّ المطالع كلَّ الحدود السياسية؟؟!!!..
أما إذا كان الجواب لا، وهو الواقع، هل يُعتبر من يقع داخل الحدود السياسية، وخارج المطالع، هل هو ملزم باتباع "الفقه الرسمي" لتلك الحدود، أم يجب عليه تحري المطلع الفلكي، ولو وقع هذا المطلع في حدود كيان آخر؟؟!!!..
بمعنى أنه إذا كان الصيام يجب أن يكون بمنطق حدود السلطة السياسية، كيف تتصرف شعوب من كانوا "دولة واحدة" أمس، وتفرقت دولتهم اليوم؟ ومن كانوا في دول واتحدت؟ والتجزيء والاندماج وارد إلى ما لا نهاية، ما دام يمكن لأية "دولة" أن يصير عدد دولها بعدد مدنها.. كما يمكن لكل "الدول" -على المستوى النظري على الأقل- أن تصبح دولة واحدة..
الأكيد أن الكراكيز المنصّبة على رقعة شطرنج سايكس-بيكو لا تمتلك من أمر الاستقلالية شيئا، ولو في حدود تحديد يوم الصيام أو الإفطار، ما دام ذاك الأمر لا يرضى عنه من لا يتحمل رؤية أية بادرة أو مؤشر يعبر عن وحدة الانتماء للأمة،، ولو كان شكليا صغيرا.. فالمفوِّضون لا يسمحون للوكلاء بالتعبير عن تلك الوحدة ولو في أدنى الشكليات..
إن "تأميم الدين" و"تسييسه" واحتكاره واستغلاله وتوظيفه... من طرف مفوضي الاحتلال ووكلائه وعملائه وسعاته وجباته وحماته، ليس محصورا في هذا الحيز الذي لا يسمح لهم الأسياد حتى بتمثل وحدة، ولو على المستوى الشعوري فقط،، بل له مظاهر وتجليات لعل هذا الذي نحن بصدده يشكل أدناها..
من جانب آخر، وفي نفس أي كنطون، هل الرؤية هي فردية، شخصية، عينية،، أم هي ملقاة على عاتق مؤسسة؟؟!!!.. ماذا يفعل من لا تتاح له الرؤية بنفسه(عليل، موقعه الجغرافي لا يسمح، سكنه لا يتيح...).. بمعنى: هل يثق من لم ير الهلال في جاره أو قريبه، ويتبعه إمساكا وإفطارا؟.
يقينا ليس الأمر ميسرا لتقييم العدل من المجروح. وإن أتيح لواحد فهو غير متاح لغيره. وأيضا إن تيسر في واحد فهو غير متيسر في غيره.. وعليه، لا يعقل اعتماد الرؤية الفردية عمليا، بل يجب على مؤسسة القيام بهذا الأمر..
فالرؤية إذن ملقاة على عاتق مؤسسة.. وفي هذه الحال لماذا لا يعمم نفس "التفويض" أو الثقة، فتُعتمد مؤسسة إسلامية واحدة، أو مؤسسة دولة واحدة في تحديد بداية الصيام ونهايته،، كما يتم اعتماد نفس المبدأ في نفس الدولة(مؤسسة واحدة تقرر لكل مناطق الدولة)؟؟!!!.. ما دام اختلاف المطالع المحاجج به يمكن أن يتحقق في دولة واحدة،، كما يمكن أن ينتفي في دول مجتمعة.. ومسؤولية الصائم التي تتحملها المؤسسات القُطرية المعتمدة حاليا ستتحملها المؤسسة الموحدة المعتمدة آنذاك،، ما دامت الرؤية ليست فردية في كلتا الحالتين..
مع من يصوم ومع من يفطر المغربي المتزوج بمصرية مقيمان في هولندا،، وفي أية لحظة يمكنهما السفر إلى المغرب أو إلى مصر؟؟!!!..
بل مع من يصوم أو يفطر إخواننا في سبتة؟
جنديان على جانبي الحدود، يتبادلان النظرات،، وربما بعض الكلمات،، أحدهما صائم والآخر في عيد!!!..
أي دين هذا بهذه الروح المقيتة التي تنافي أصل الدين ومبدأه ومقتضاه ومنطقه ومنطلقه؟؟!!!..
هل هم ثقات هؤلاء المستبدون المستغلون للدين حتى يُستأمنوا على شعائره؟ ألم يعطلوا كل أحكام الدين سواء ما تعلق منه بحدود الله أو ما تعلق بحقوق الناس؟؟!!!..
الأكيد أن مَن هضم حقوق الناس وأكل أموالهم، وضيع حدود الله وعطل شرعه، ونقض عرى الدين،، لا يمكن أن يكون حريصا على عبادة العباد،، بل الحرص هو على تنفيذ توصيات أولي النعم..
اليقين أنه غير الضعف والتبعية والتحكم الخارجي وفوبيا عودة وحدة الأمة، ما من مانع من توحيد أيام الصيام والفطر.. ولو كنا أعزة ما اختلفنا هذا الاختلاف.. فالأمر -حاليا- لا علاقة له بتاتا بالفقه..
إن الصوم "متعلق ديني"، وليس من اختصاص مفوضي استغلاليات سايكس-بيكو..