عبد الله راكز
كل اسئلة بنيس عن " الحداثة " متعلقة بالافق التاريخي وبالفضاء الاجتماعي الذي يمارس فيه الكاتب عمله ؟ وهذا بمعنى من المعاني (في رأيه واجتهاده الغير المملّ كما هو الشان عند آخرين)
ان الشعر الفرنسي مثلا شكلاني كما ان العربي غير خطابي (وكذلك يجب ان يكون) .لربما تميزت ردود بعض الشعراء وبعض المتحدثين فيه وبه، بردة فعل نسبية على موضوعة أو اصطلاح " الحداثة" .كان هذا حال سعدي يوسف الذي سبق ان اقترح مصطلحا للتحديث ، الذي لايجب ان يتعارض مع المحاولات التنظيرية للفعالية الشعرية وتلقي القصيدة .غير انه (وهذا هو الأهم ) ، ابدى بعض التحفظ امام التنظيرات " الحداثية" التي حملت (ولا تزال) فهما عدميا للثرات واحدثت بعض الانقطاع عن معيش الناس .لم يكد بعد ان ابتدأت " اليقظة " الشعرية ، أن تحول الى حوار حول " الحداثة" ، معمقا بين الاطراف المعنية به شعريا،وليس ثقافيا او سياسيا . ولهذا الاخير كلام آخر، بالرغم من اشتقاقه من هذين الأخيرين.
سيكون على محمد بنيس ، وهو شاعر مرهف الإحساس(هكذا بدا لي يوم التقيته بقاعة الافراح بالحارثي بمراكش في احدى سنوات الثمانينات ، وقد افصح لي بالاسم عمن كان يتعرض على نشر مقالاتي بالمجلة " الثقافة الجديدة). قلت لدى بنيس ، القابلية الذكية التي ابعدته عن نوع من الجمهور الذي يصفق لكل ما يقرأ عليه بمجانية تبعث على السخرية،هو بخلاف ، شعراء لهم الباع بهذا المجال ،بدءا من سعدي يوسف، انسي الحاج، ادونيس ، اللعبي وغيرهم كثر، كان يعتبر جميع التّحلقات ، اماكن للتنوع والرهافة ، يجب ان تنم عن متابعة وجدية في كل مايصدر في الساحة الثقافية العربية وليس فقط المغربية ، من ابداعات وتراجم، وما يعتمل فيها من أسئلة؟
أين نحن إذن من هذا الشاعر الذي لم يتنكر قط لمغربيته ،الم يكن لصاحب " الشعر العربي الحديث" الحق في أن يرشح هو بالاحرى لجائزة نوبل في الشعر؟ عوضا عن بعض التائهين والتافهين ،بعاصمة الأنوار، بين " الكونكور" و" كاتارى" وغيرها،
وقبل ان نختم ، لمحمد بنيس مواقف ايجابية تعارك في سبيل اقرارها ، بدءا من انخراطه المبكر في صفوف اليسار الجديد بالمغرب ، وغير انتهاء بمواقفه في اطار " اتحاد كتاب المغرب" (يوم كان اتحادا) ، على سبيل دمقرطة هذا الأخير، حتى يكون اطارا واضحا وحقيقيا لكل الكتاب والمبدعين المغاربة بعيدا عن العشائرية والقبلية الحزبوية وغيرها.
**)) هامش لابد منه:
في الكلام الآخر، كما قلنا سابقا ، وفي معنى العلاقة التّعسفية للسياسي بالثقافي، يجب ان نذكر بدون مضاضة ، ان محمد بنيس هو من أقر اليوم الوطني للشعر بالمغرب، بل واليوم العالمي للشعر الذي تبنته اليونسكو بعد ذلك.اليس هو مؤسس بيت الشعر بالمغرب؟ على أي (ذكرني بهذا أحد الاصدقاء العزيزين على قلبي) ، فما يهم هو أن محمد بنيس بعد العام 82( سنة انعقاد مؤتمر اتحاد الكتاب بالحديقة العربية على ما أذكر) وبعد صموده ضد الحصار الذي ضرب عليه وعلينا ايضا وكان قائده محمد برادة ، كان دشن لالية واضحة جدا ، مفادها افتراق السياسي عن الثقافي بالمرة بالمغرب.واحتفال هذا الاخير باستقلاليته التامة تحصينا للفكر المستقل وللا بداع الحصين.
لربما كانت هذه الآلية ، وقد تمت الآن، بلا علم أفراد كان على لا وعيهم أن يكون مكبوتا كحال الغرض الذي تكبته.
وهو الهيمنة على الثقافي بدون اي اقتدارغيرتكريس فكر لاواعي وتحويل أداته الى سيء مشيّء ريعي( اليس هذا هو حال اتحاد كتاب المغرب بعد ان تسلط عليه وعلى قيادته نفر سياسي من الدرجة الثانية تنظيميا؟) .
طبعا ومن دون مبالغة ، كان لمحمد بنيس هذا السبق في تعرية هذا اللاوعي ، وتعرية سياقاته كأصل ، وأداة افتقدت الشفافية امام نفسها ، بل كجزء من الازمة التي يعاني منها المجتمع المغربي ، أو بتعبير أصح، الكيان المغربي الاجتماعي لافراده،الذي يحتاج الى عدم الشفافية ، ليعيد ذاته المتأزمة، ويعيد إنتاجها.
" هدأت ريح الليل ، لم يحن الموعد
الفجر، والشبح القمري لم يعد يؤثر في
المياه ، العمارات ، الاشجار
ضوء مختلط بعتمة الغرفة
التي يكاد يلاطفها ويصبغها قليل من النهار." محمد بنيس.
سيحين الموعد ولوطال الانتظار كريح الليل.