شحتان: بطاقة الملاعب ستحد من المتطفلين على الميدان ويوسف مجاهد: مبادرة جيدة من أجل الرقي بالمهنة

جمعية الثقافة الإسلامية ومؤسستها بتطوان يحتفلون بذكرى المسيرة الخضراء المضفرة

شوكي للمعارضة: خطابكم مضلل وقانون المالية واقعي ومجدد في تفعيل ‏السياسات

شوكي يجلد المعارضة: البعض يقوم بتسخينات انتخابية سابقة لأوانها وتجاوز كل ‏الحدود الدستورية

من البقرة إلى المستهلك.. شاهد كيف تتم عملية إنتاج الحليب ومشتقاته داخل تعاونية فلاحية بمنطقة سوس

أخنوش من كوب 29 : المغرب تحت قيادة جلالة الملك رائد في الانتقال الطاقي على المستوى القاري والدولي

عَنْداكُم تْحَشْمُونا..المسؤول سيزورنا !!

عَنْداكُم تْحَشْمُونا..المسؤول سيزورنا !!

المهدي محمد

 

عندما كنا في المدرسة خلال المرحلة الابتدائية ،كان كل شيء ينتظم ويبدو في أبهـى حلة كلما تم الإعلان عن زيارة السيد المفتش... كان المعلـم يصحح كل الكراسات،ويأمر بتغليف كل الكتب والكراسات، وكان المدير يطوف شخصياً بكل الفصول ، ويوصي التلاميذ بالامتثال للأوامر و النواهي التي تقدم لهم ، ويهدد ويتوعد كل من يصدر صوتاً في حضور سيادة المفتش أو يأتي بحركة تعكر مزاج سيادته.. بل أحياناً كان يأمر بعض التلاميذ وهم قلة، من ضعاف المستوى بعدم الحضور ذلك اليوم إلى المدرسة... ولا ينسى سيادة المدير أن يوجه جميع التلاميذ إلى نظافة الملبس والالتزام بالتوقيت، بل والحضور قبل الوقت..كما يأمر بتنظيف الفصول،وترتب المقاعد ويصير كل ما بالمدرسة جميلا.

   لكن ،بعد زيارة السيد المفتش ،يعود كل شيء الى حالته الأولى ، وتعود حليمة إلى عادتها القديمة، وأحياناً يحدث هذا ويقول السيد المدير: إن زيارة المفتش كانت غير معلنة و مفاجئة! رغبة في إضفاء شرعية مفتقدة على ما يرافق الزيارة من مبالغة في الاستعداد و الترحيب بالزائر، الذي هو في الحقيقة ليس سوى موظف لدى الدولة، وفي مهمة هي من صميم واجبه الذي يتقاضى عنه أجرا من خزينة الدولة المُشَغلة..وليس ضيفا ينبغي الاستعداد لزيارته والتكلف في ترتيب بروتوكول لاستقباله والترحيب به.

     كانوا يفعلون ذلك وهم القدوة ،فضاعت القدوة وفقدنا النموذج ، ومن ثم البوصلة التي تقودنا نحو الحق.. كانوا يقتلون فينا الصدق والأمانة ،ويربون فينا الكذب والنفاق بتصرفاتهم تلك..لا ندري ـ نحن الصغار آنئذاك ـ ماذا كان دافعهم؟ وممن وعلى ما كانوا يخافون؟هل كانوا يخافون من المفتش؟ أم كانوا يخشون أن يفقدوا وظائفهم؟

    كان هؤلاء يَدعون إلى الحرص على التربية والأدب ،وينادون بكريم الأخلاق ، وكأنهم لم يسمعوا "بالإمام البوصيري" وهو يقول:" ما كانوا يأمرون بالمعروف حتى يأتمروا به ،وما كانوا ينهون عن المنكر حتى ينتهوا عنه"!

   تربينا على النفاق في الممارسة التي كنا نشاهدها تتكرر أمام أعيننا ،ونحن صغار نحتاج الى القدوة والمثل والنموذج.هكذا نلاقي الحياة والناس، وهكذا نصبح مواطنين ..ولكن هل نحن مواطنون صالحون؟!

   سردت كل هذا وقد مرّ بي أكثر من موقف مثل هذا في مختلف ربوع البـلاد،كلما شاءت الصدف أن أعاين زيارة عاهل البلاد أو حتى مسؤول كبير في الحكومة أو غيرها.تكنس الشوارع وخاصة الرئيسية منها،و تزين الشوارع بيافطات الترحيب والتهليل، وتستنفر كل أنواع مصالح الأمن ،ما يعطي الانطباع بمدى درجة أهمية المسؤول المرحب به ،بل ويمكن أن تعطل الدراسة بمدارس المدينة ومحيطها ..ولكن كل مظاهر الزينة و الأمن والاهتمام بالمواطن، لا تلبث تختفي بمجرد مغادرة المسؤول، وتعود الحياة لرتابتها ،والمدينة للإهمال والتهميش، وسكانها للكدح و النضال من أجل لقمة العيش التي أضحت صعبة المراس في أيامنا هذه.

   تذكرت فيلم (طباخ الرَّيِّـسْ) للمخرج سعيد حامد،وبطولة طلعت زكريا وخالد زكي ،عندما سأله الرئيس عن سبب تأخره ، فأجابه : كانت هناك زحمة في الكبري"الجسر"! فردّ عليه الرئيس بأن الكبري كان خالياً حين مروري! فقال الطباخ : نحن تم حجزنا أسفل الكبري لتـمُـرّ سيادتكم!.

 

ألا يعتبر هذا السلوك نفاقا سياسيـا واجتماعيـا بكل المقاييس؟ ألا يكرس هذا السلوك عقلية التّورِيَة والتمْويه، والإيهام بأن كل شيء على أحسن ما يرام ؟ أليس مثل هذا السلوك ما يساهم في تعطيل عجلة التقدم والتنمية الحقيقية؟ ثم هل ينبغي أن يُخْلِص المسؤول في ما يضطلع به من مهام و مسؤوليات، إيمانا منه بنبل رسالته وبما يقتضيه الواجب ،أم خوفا من سلطة أعلى، وابتغاء لعطفها، أو استجداء لرضاها ؟؟!

نترك كل هذه الأسئلة للمعنيين بها ليجيبوا عنها،لعلهم يقتنعوا ويقنعوا أنفسهم بمشروعية السؤال وصِدْقِية الجـواب..أما المواطنون من عامة الناس ،فهم أدرى بالجواب ،لأنهم هم من يكتوي بحرقته كل يوم،ويؤدي ثمن الهروب منه.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات