سعيد المودني
تابع..
من جهة أخرى، يناوئ أصحاب "جسدي حريتي" التحديدَ الشرعي للباس بالحدود والمواصفات التي يحددها الشرع، كما يعارضون ما نتج عن ذاك التحديد من "ترسيم" في القانون أو العرف.. غير أنهم، وعند أول سجال أو مواجهة، لا يلبثون يتخبطون في خبلهم، لأنهم لا يملكون أن يأتوا بالبديل المخول بوضع ضوابط اللباس وحدود الحرية فيه، لأن العامة لا يمكن أن تتفق، وعدم التوافق على تلك الضوابط، وأيضا عدم الاتفاق حول شرعية من يحدد تلك الحدود، أقول: عدم التفاهم هذا يمكن أن يبيح للشخص الخروج عاريا،،، وهو ما لن يقبله حتى "أصحابنا المنفتحون جدا"!!!.. وعليه، يكون الاتجاه المسيطر في حرية اللباس/العري المراد تمريره وتكريسه ينافي حتى المنطق، حيث أنه إذا لم يوجد محدِّد متفق عليه بشكل رسمي حول حدود اللباس وصفته في مجتمع معين، فإنه يمكن الخروج بعري مطلق أو بـ"صباغة"، لعدم وجود ضابط ملزِم، يحدد الجزء المسموح بكشفه من الجسد(وبالتالي الجزء الآخر الواجب ستره، ومواصفات ذاك الستر) بشكل دقيق وصارم، غير قابل للفهم والتفسير المفردن، ولا للتأويل المشخصن في تقدير "الحياء"، والذي يختلف أشد الاختلاف بين شخص وآخر، حسب معتقده وفكره والتزامه ووسطه وتنشئته...
إن المطلوب والمقبول والممكن هو تأصيل لباس يكون مقبولا من طرف "الجميع"، وهذا القبول لن يتأتى إلا إذا استند إلى مرجعية قانونية أو شرعية، يقبلها غالبية الناس(ما دام الإجماع لن يحصل بحال)، حتى يكون الالتزام بها ملزما..
الخرف أن بعض الناس يحاولون "قلب الآية" ومعالجة مسألة العري الفادح الفاضح بالدعوة إلى تفعيل مأثرة غض البصر!!!.. والحق أن غض البصر مطلوب.. وهو وإن كان فضيلة، غير أنه يمكن أن يسمو إلى مرتبة الفرض الواجب.. لكن الله تعالى عندما وجّه إليه، ولأنه سبحانه الخالق البارئ العليم الخبير الحكيم، فقد ذكره مقرونا بـ"مِنْ"(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ).. وهي(مِنْ) تفيد التبعيض، ذلك أنه لا يمكن -حسا- غض البصر بإطلاق.. لكن حكم الستر محكم ومطلق، لأنه ممكن ومقدور عليه..
أما في ما يتعلق بالمغالطات، فلعل أكبرها وأفدحا هو ذاك المتصل بالتلاعب بـ’’الحجاب’’، خاصة وأنه يخص فئة من الناس يُحسب كثير منهم، أو يُفترض فيهم أنهم "ملتزمون"، ليشكل تجسيدا إضافيا ممعنا وحقيرا لنتائج الهدم والنخر من الداخل التي يحلم أعداء الملتزمين تحقيقها ومضاعفتها. فلم يقف اختراق الصف الإسلامي عند الخندق الأول الذي أحالوا فيه الإسلام "إسلاما تقليديا" جامدا، بل تُجووِز ليلامس تيار "الإسلام الحركي الملتزم" الذي كان بالأمس القريب هو المؤصِّل لكل حركات الفرد، والداعي إلى تصحيح المنهج، والحريص على تطبيقه... ليصبح، بـ"فضل اجتهاد الكثير من متفتحيه وعقلائه"، غارقا في بحر الميوعة، كما هو الشأن -مثلا- بالنسبة لمسؤولي بعض القنوات "الإسلامية"، والتي تقدِّم فيها "الأناشيد الدينية" فتيات "محجبات"، لتؤدي نفس الفتيات، بعدها مباشرة، "أغان غير إسلامية"، وهن سافرات!!!.. ونفس المظهر يتكرر مع "الكبيرات" اللاتي يظهرن في الصلاة وقراءة القرآن الكريم وعند تقديم الدروس والمواعظ أو حضورها، يظهرن بزي "إسلامي"(على شوهته)، ثم يظهرن في مشاهد الحياة العامة "متحررات" بزي سافر، فيساهمن في تكريس نظرة آخذة في الصعود لدى العلمانيين المغلَّفين، أن الحجاب(بما فيه "حجاب" "اقرأ-روتانا"، أو "حجاب" "طالبان-مريكان") إنما هو نمط لباس، أو موضة "مناسباتية"، أو -في أحسن الأحوال- هو مطلب وجب استحضاره فقط عندما تكون المرأة "تحصد الحسنات"!!!.. ولا يدري عاقل: أ جهل هذا، أم هو تهكم على الله جل وعلا؟؟!!!..
ومن المغالطات أيضا تكلُّف البعض -رغبة في التفرد والتميز - حد التطرف في انتقاء لباس فريد متمايز ربما يكون خارج دائرة المقبول،، ثم الادعاء -عند المساءلة- أنهم يلبسون ما يعجبهم، مع أنه لو أتيح لغيرهم أن يطلعوا عليهم عندما يكونون وحدهم، ربما وجدوهم يلبسون "بردعا"، أو "لابسين من غير هدوم"، ولا يلبسون ذلك اللباس النشاز إلا أمام الناس ليُعجب ذاك اللباس أولئك الناس المتفرجين، وليس ليعجب لابسه، ما دام لا يلبسه عند خلوته بنفسه!!!..
ومن المغالطات كذلك امتعاض أحدهم من ارتداء بعض المغاربة(مثلا) اللباس الأفغاني، بحجة أنه دخيل، مع أن هذا المنتقد الممتعض يرتدي سروال "جين"، وربما رابطة عنق، وكأن هذا الـ"جين" وهذه الرابطة كان يرتديهما كسيلة أو طارق بن زياد أو العباس بن عبد المطلب، أو كان يرتديهما جده الخامس في فيافي البوادي وأدغال الجبال.. والحال أنه إذا أردنا أن نرتب "الدخالة" من الأقرب إلى الأبعد باعتبار المشترك الجغرافي والحضاري والهوياتي، فإن كابول هي الأقرب، وليست واشنطن..
انتهى..