عبد اللطيف مجدوب
استشراء ظاهرة الفساد
ظاهرة الفساد أمست على لسان الداني والقاصي ، بل وبالكاد أصبحت تشكل عندنا عنصرا بنيويا في كل المعاملات والعلاقات ذات الصبغة الاستهلاكية والمنفعية ، إلى أن غدت ؛ من المنظور الواقعي وما يحبل به أحداث ووقائع ؛ ثقافة تترسخ جذورها مع مرور الزمن، فكلما أقدم المواطن على استقضاء مصلحة معينة إلا وتسلح بجملة من"الآليات اللامشروعة" التي يرى فيها الوسيلة الهينة لتحقيق مأربه دون عناء ولا انتظار ، وعلى رأسها "استعمال المال" أو استغلال النفوذ ، وفي أحيان خاصة مقايضة "مصلحة " بأخرى. إلا أن دائرة "الفساد" ؛ وكما يشهد بها الواقع الميداني ؛ تتداخل فيها عناصر الزبونية والاحتكار والتدليس والتزوير والغش بأوسع معانيه ، ويمكن أن تتسع أكثر لتشمل ؛ في ذات الوقت ؛ فساد السياسة ؛ وفساد التربية والتعليم ؛ وفساد الذوق السليم وفساد النوايا وفساد الأخلاق ؛ وفساد السلع وفساد العقود ..
هل كان للفساد العيش أمام سوق تنافسية ؟!
نحن ؛ في المغرب وعلى مستوى المواد الاستهلاكية على الأقل ؛ يمكن الجزم بوجود سوق داخلية وحيدة ومهيمنة ، يعمل أصحابها بدون كلل على مقاومة كل منافس أجنبي ، أو بالأحرى استثمار أجنبي منافس لهم في إنتاج وتسويق سلع استهلاكية معينة ، فقطاع المحروقات ؛ على سبيل المثال؛ تهيمن عليها أطراف نافذة في السلطة ، فهي تحتكر الإنتاجية وتتحكم في الأسعار، كما أن المواد الغذائية؛ هي الأخرى؛ ذات منتوج وطني صرف ، وتعمل عديد من الشركات على قطع الطريق أمام المنتوج الأجنبي المنافس ليخلو لها الطريق إلى جيوب المواطنين لتعبث بها، علما أن مراقبة "الجودة والأسعار" تظل هشة ، وأحيانا تدوسها عجلة المال !
تفضيل اقتناء "ربطة نعناع" من منتج أجنبي..
هناك شركات وطنية منتجة في مجالات السلع الخدماتية كالنسيج والألبان والدقيق والزيوت.. لا تتوانى مطلقا ؛ وبدعم من جهات رسمية ؛ في التصدي لكل مستثمر أجنبي يحاول منافستها في تسويق بضائعها بالداخل ، وفي هذا السياق ، عملت شركة نسيج على إغلاق باب "الترباندو" في وجوه مواطني الداخل والحيلولة دون اقتنائهم المانطا "المسربة من داخل المدينتين السليبتين سبتة و مليلية " ، ومن ثم إجبارهم على اقتناء"المانطا المغربية " بسعر 500.00درهم، فكانت المفاجأة أو بالأحرى الصدمة حينما تحولت ؛ ولما يمض على ابتياعها أكثر من بضعة أشهر ؛ إلى نسيج مهلهل ومتحلل الخيوط ، بينما " المانطا المهربة" ظلت محافظة على قوامها لسنوات وبأسعار جد مشجعة ، ابتداء من 300.00 درهم ، فوجود قاعدة صلبة للتنافس تفرض على المنتج تجويد بضاعته مع تخفيض الأسعار . وبالتالي يضيق هامش الفساد والإفساد.