لحسن الجيت
من منا يجادل في أن القضية الفلسطينية ليست عادلة، بل هي قضية إنسانية تخص العالم بأسره كبقية قضايا أخرى بلغت في المأساة إلى حد الإبادة مثل قضية "الهورينغا" مسلمي بورما الذين أحرقهم البوديون وهم أحياء. اضطهاد غير مسبوق في تاريخ البشرية من تهجير واغتصاب ودفن الناس وهم أحياء، وما زال هؤلاء المسلمون في عذاب شديد ما بين الحياة والموت. كل هذا يحدث أمام مسمع ومرأى العالم، ولم تهتز شعرة واحدة من ذوي القربى.
إذا كنتم بالفعل تناصرون القضية الفلسطينية، فأين هو ذات المبدإ بالنسبة لإخوانكم في الدين من هذا الذي يحدث لمسلمي بورما. أم أن إخوانكم الفلسطينيين هم أولى في نضالكم المغشوش من غير قضايا إنسانية أخرى. لم أراكم تحتلون بعضا من مسارب الرباط تجاه ما هو خارج عن القضية الفلسطينية. فلماذا؟ من المؤكد أنكم لا تملكون جوابا.
فما تزعمون بأن خرجاتكم المعزولة تندرج في مناصرة القضية الفلسطينية ما هو في واقع الأمر إلا نفاقا بامتياز بلغ إلى حد الغدر. كم أعجبتني تلك الشعارات التي رفعتموها وضغضغت مشاعري هنيهة في غفلة مني. من منا لا ينخدع بلافتة كتب عليها " يجب تحرير غزة". وقال البسطاء منا اليوم ولد فينا صلاح الدين الأيوبي من جديد وبات التحرير على مرمى حجر. بينما العقلاء منا لا تنطلي عليهم هذه العنتريات الفارغة. القدس ومسجد الأقصى الذي باركنا من حوله لا يمكن تحريرها باحتلال أزقة في الرباط وأن رفع المعاناة عن أشقائنا الفلسطينيين لا يمكن إلا بوسيلة واحدة هو خلع الكوفية عن العنق كما هم عليه مناضلو هذا الزمان الرديء، واستبدالها ببندقية على الكتف والتدافع بالمناكب جنبا إلى جنب مع فلسطينيي الداخل. أما فلسطينيو الشتات فقد قرأوا الفاتحة على فلسطين بعد أن ألفوا العيش الرغيد وجمعوا الثروات في كندا وأستراليا ودول الخليج.
إذا كانت سريرتكم تنطوي على نضال حقيقي لنصرة القضية الفلسطينية فعنوان القضية ومكانها وموقعها ومنارة قدسها تناديكم للالتحاق بالمرابطين فيها. فما الذي يمنعكم من الالتحاق سوى ذلك الجبن. أنتم فقط ظاهرة صوتية تقولون ما لا تفعلون. تنددون وتشجبون بكل ما أوتيتم من ملكة في لغة الضاد. ونسيتم قول الرسول عليه السلام "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاث مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى". فأينكم يا أهل الشقاق والنفاق من هذا الحديث النبوي والحال أن القدس تستغيثكم.. واعلموا أن نضالكم لا يغير في وضع الفلسطينيين ولو قيد أنملة. الفلسطينيون ليسوا بحاجة إلى خرجاتكم فهم بحاجة إلى دعم حقيقي على الأرض. فعلى مر عقود خلت وأنتم على هذا الحال تبيعون الوهم للفلسطينيين. أليس بإمكانكم أن تطوروا نضالكم إلى نضال يقطع مع رفع الشعارات الجوفاء. أم أن للحكاية سر آخر. سرها أنكم تشتغلون على جهاز التحكم عن بعد وتشتغلون على أجندة أخرى معادية لهذا الوطن الذي تتفيؤون تحت ظلاله.
أنتم لستم في مستوى المزايدة على المغرب. بلدنا لقد أعطى الكثير بدون من للقضية الفلسطينية وباعتراف رئيس سلطتها محمود عباس الذي أثنى في القمة العربية الأخيرة على الدور الريادي للمملكة على مسمع ومرأى الرئيس الجزائري الذي عمل جاهدا بدون جدوى على تشويه سمعة المغرب من خلال ما قال وتقولون عنه "تطبيعا". وماذا لو أوقف المغرب علاقاته مع إسرائيل فهل سيتم عندئذ تحرير فلسطين؟ قطعا لا وألف لا. مادام الأمر كذلك فإن دعواتكم المناهضة للتطبيع ليس لها أفق للقضية الفلسطينية مما يؤكد أن تلك الدعوات المتكررة تستهدف المغرب وتندرج في أجندة الأنظمة المارقة المعادية لبلادنا. فالمغرب قام ويقوم بواجبه تجاه القضية الفلسطينية في حدود إمكانياته، لكن ذلك لن يكون على حساب مصالحه العليا التي تمر عبر إيجاد توازنات في علاقاته الدولية. وهي خيارات تنظرون إليها بازدراء لأنها تقوي مكانة المغرب أقليميا وقاريا ودوليا. وقد لا يعجبكم كما لا يعجب ذلك بعضا من دول الجوار. وفي ذلك تتخندقون في خندق واحد مع أعداء الوطن.