الحسين بوخرطة
العالم يتطور بسرعة. تجاوز بشكل قطعي قوة العمل المعتمدة على العضلات الجسمانية. تم المرور بسرعة واضطراريا إلى الاعتماد على العقل. لقد تحول هاجس وواجب العناية بالجسم بالمأكل والمشرب والرياضة موازاة مع تنمية الروح بالأخلاق والجدية والترويح على النفس بالترفيه إلى مجرد آلية إجبارية لإعداد العقل لرفع التحديات المستقبلية بكفاءة القيام بالأعمال اليومية المضنية التي تزداد صعوبة وتعسرا. لقد تغيرت بشكل جدري التمثلات في شأن شعار "ما بعد التعب راحة" متجاوزة مفهوم الجسد وأدواره لتختزل في تعب العقل والروح والنفس في الكدح المتواصل.
مطرقة الرقمنة لا ترحم، واستخداماتها التي تكتسح كل مجالات الإنتاج والخدمات والمعرفة والتعليم والتكوين والصحة خلقت تحولا مروعا وهداما لتقاليد الوجود السابقة. فحتى بعض المهن الجديدة في المدينة والبادية التي أينعت منذ إعلان النظام العالمي الجديد تهددها اليوم مخاطر الانقراض، لتبرز إلى الوجود مهن جديدة لخدمة المستقبل الديمغرافي للبشرية.
أزمة الكوفيد 19، كمرحلة تجريب وتعويد على أنماط عيش جديدة دقت ناقوس الخطر. تم إدخال أفراد الأسر إلى منازلهم وتم فرض الحجر الصحي، وأعطيت الانطلاقة لمشروع تغيير مشهد الأنشطة البشرية بشكل عميق. الصين بفيروسها تحولت إلى زعيمة لنمط حياة بشرية جديد في العالم. تأزم جزء من منظومة الأجور، وازدهر جزء جديد بأساليب عمل متنوعة وغير متجانسة، وبرزت قطاعات النشاط الضامرة والاحتياجات الجديدة في فضاءات الحياة البشرية كونيا.
لم يعد لأطفالنا وشبابنا وطلبتنا خيارات أخرى سوى بذل الجهود لفهم التحولات بأفق الاندماج في أنماط عيش جديدة. الوظائف المستقبلية في تحول سريع، والبحث عنها يتطلب اليوم تكوينات أكاديمية ميدانية جديدة. فلذة الأكباد المرتبطين بالإفراط في اللعب في الأزقة والشوارع سيتعرضون مستقبلا بلا ريب إلى تهميش مهول ومن تم سيتحولون إلى ضحايا إدمان المخدرات والدعارة والتجارة في البشر.
على الأسر أن تستفيق من سباتها وتعوداتها النفسية وتركز على القطاعات المزدهرة التي تختزن الفرص الزاخرة لأبنائهم. على الدولة كذلك ألا تتقاعس في إلقاء الضوء على وظائف المستقبل الأكثر توظيفًا لتيسير المهام أمام آباء وأمهات وأولياء التلميذات والتلاميذ في اتخاذ الخيارات الصحيحة.