ياسين بن زيان
صدق الشاعر حينما قال:
يا زمانًا كأنه بِنتُ لَيلٍ
لا تُبالِي بعِرضِها وهو يُعجَن يا زمانًا كأنه بِنتُ لَيلٍ
ما الذي فيك رائجٌ، غيرُ سُخفٍ
كُلُّ مَن نال شَربةً منه أَدمَن!
فيكَ أَضحَى مُغرِّدًا كُلُّ قِردٍ
لو رَأَى منكَ سُلطةً ما تَسَلطَن
وافترى الدِّينَ جاهلٌ.. وهو لولا
أَنه فيكَ، ما افتَرَى، أَو تَدَيَّن
في هذا الزمن، أصبح بإمكان أي شخصٍ أن يقوم بإنشاء قناة على منصات التواصل الاجتماعي، ويشعل الكاميرا ليبدأ بإلقاء الميكروبيوم والتفاهة والسخافة... لم يعد بإمكاننا تمييز المحتوى المفيد من المحتوى المقيت.
في هذا السياق، عندما يقوم الشخص المعروف باسم "إلياس المالكي" والذي يلقب بين الشباب باسم " الأسطورة "، بممارسة التسلط على الصحفي النزيه أشرف بلمودن، الذي يتميز بحمل غيرة وحرقة نحو وطنه، وينغمس بعمق في أعماق بحر الفساد لينير مصباح الوعي والثقافة. عندما يتسلى بالسخرية من هياكل الدولة ومؤسساتها، ويتجاوز حدوده بالاستخفاف بالقرآن الكريم، ينبئ ذلك عن تراجع الوضع ويصفع ناقوس الخطر.
عندما يقوم شخص بلا فائدة بتسجيل حوارات لاهتمامية تطول لساعات، تتناول محتوى يدور حول تحقيق الثروة والمال في سن مبكر، وتسليط الضوء على الفتيات والعلاقات الجنسية، وتشجيع ترك الدراسة كوسيلة لتحقيق النجاح الشخصي داخل المجتمع. هذه الحوارات تُطلق تحت عنوان ."Podcast"
يتردد في عقلي دائمًا هذا الاستفهام: كيف يمكن حماية الشباب من هذه التفاهة الرائجة؟ وكيف يمكن بناء شباب مبدع وسط هذا الركام من النمطية؟
في الواقع، تعددت الأسباب وراء هذه المهزلة. أحد هذه الأسباب هو جهل الشباب وغياب المراقبة والإرشاد من قِبَل الآباء. ومع ذلك، يمكن أن يُعذر الآباء نظرًا لجهلهم بما يجري ويدور في ساحة المنصات الرقمية. ولكن السؤال هنا، هل يمكن أن نُعذر المدرسة؟ وهل يمكن أن نُعذر الدولة التي تعلم بكل ما يحدث؟
تطرقت في مقالات سابقة إلى قضية دمج التربية على الثقافة الرقمية وأساليب التعامل في البيئة الرقمية، وذلك بناءً على ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي من مشاكل وسلبيات، تؤثر على الطلاب والشباب بشكل خاص. إذ يمكن أن تنجم من هذه المواقع كوارث وتفاهات وإشاعات تؤثر بشكل سلبي على مختلف جوانب حياتهم.
فالشباب يمكن أن يتأثروا بشكل كبير بما يتم تداوله عبر وسائل التواصل، وقد يتسبب ذلك في تشتيت تركيزهم عن الأهداف التعليمية والاجتماعية. إضافة إلى ذلك، يتعرضون لمحتوى سلبي وتافه يمكن أن يؤثر على تطورهم الشخصي والثقافي.
بعض أصحاب القنوات والصفحات يستغلون هذا المحتوى لتحقيق أرباح مالية ضخمة، حيث يروجون لمحتوى تافه واستهلاكي بهدف جذب الانتباه وزيادة عدد المشاهدين. هذا يمكن أن يشجع الشباب على متابعة مثل هذه الصفحات والقنوات، وربما يدفعهم لتجاهل الأهداف الجادة والتعليمية.
كل هذا قد يؤثر على تفكير الشباب ويجعلهم يفكرون في ترك الدراسة والبحث عن مسار آخر يبدو أسهل وأكثر جذبًا، مثل ما يعرف بـ "البوز"، وهو المجال الذي قد يتجاوز القيم والمبادئ الحقيقية.
لذلك، من المهم النظر في أهمية توجيه الشباب نحو استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل مسؤول وتثقيفهم حول التحديات والخطورة التي قد تواجههم على الإنترنت. كما يجب أن تلعب المدارس والأهل والمجتمع دورًا في توجيههم نحو اتخاذ قرارات صحيحة وبناءة لتحقيق أهدافهم المستقبلية بشكل أفضل.
المسألة الثانية هي غياب ثقافة الابداع في مجتمعنا، كيف تريد أن ترى شباب مبدع يطغى على واجهة مواقع التواصل الاجتماعي، في مجتمع يجهل المحتوى الإبداعي، ويتابع بلهفة آخر مستجدات " ساريكول " وينتظر " الياس المالكي " أن يسب أحد المثقفين أو العلماء ويستهزئ به؟
لذلك، تعتبر المدرسة عاملاً أساسيًا في بناء شخصية تلميذ مبدع، من خلال توفير بيئة تعليمية تشجع على التفكير الإبداعي وتعزز من تطوير مهاراته. أولًا، يجب أن تتخذ المدرسة نهجًا تعليميًا يهدف إلى تعزيز التفكير النقدي وقدرات حل المشكلات لدى الطلاب. ويمكن أن تحقق ذلك من خلال تقديم تحديات ومشاريع تطبيقية تحتاج إلى البحث والاستقصاء وابتكار حلول جديدة.
ثانيًا، يمكن للمدرسة أن تسهم في تنمية مواهب الطلاب من خلال تقديم مجموعة متنوعة من المواد والأنشطة الفنية والثقافية. هذا يمكن أن يساعد في توسيع آفاقهم وتطوير مهاراتهم في مجموعة متنوعة من المجالات، سواء كانت في مجال الفنون أو العلوم أو التقنية.
ثالثًا، يجب أن تكون المدرسة مكانًا يشجع على تبادل الأفكار والآراء بحرية، حيث يمكن للطلاب التفكير والتحدث دون قيود. هذا يمكن أن يساهم في تطوير مهارات التواصل والإقناع لديهم.
وأخيرًا، يجب أن تكون المدرسة مكانًا يحتضن التنوع ويحترم الاختلافات بين الطلاب، مما يشجع على التفكير المتعدد الأوجه وتبادل الخبرات بينهم. بالتالي، يمكن للمدرسة أن تلعب دورًا حاسمًا في بناء تلميذ مبدع قادر على التفكير والتطوير بشكل مبتكر في مجتمعه، ومواجهة التحديات والمعيقات الداخلية والخارجية.
في النهاية، يتضح بوضوح أن هذا الوطن يواجه تحديات جسام تعوق مسيرته نحو التقدم والتطور الذي تحققه الدول الغربية. تصاعد الوضع الحالي يكشف عن واقع مُحبط، حيث تظهر الفئة الأكثر أهمية وتأثراً في هذا الوطن متورطة في دوامة التفاهة والسطحية، ما يُشكل عقبة أمام تحقيق إمكانياتها الحقيقية وتطويرها بشكل جاد. ولذلك، فإنه من الضروري بشدة أن نعمل جميعًا على تحفيز الوعي والتغيير في هذه الفئة، لنتمكن من النهوض بالوطن ومسايرة التطور والتقدم الذي حققته الأمم الأخرى.
يجب على الدولة أن تستيقظ، لأن الشباب المغربي ينزف بقوة، والأخطر من هذا أن النزيف داخلي وخارجي.