محمد قويط
لا غرو بأن المقاربة الاجتماعية والنفسية اليوم أضحت من بين الآليات الضرورية لفك شيفرات المجتمع قصد تشخيصه وفهمه ووضع إجابات صريحة لما تعانيه مجتمعاتنا على اختلاف مرجعياتها الدينية والثقافية ، من ظواهر وسلوكات تدق ناقوس الخطر فتربك استقرار المجتمع وتشل توازنه ، ولعل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن الجهات الرسمية حول ظواهر الانتحار والجريمة والهدر المدرسي والانحراف السلوكي تفرض على الدول اليوم تسخير جل مواردها المالية والبشرية والمؤسساتية لمعالجة الأسباب قبل النتائج للقضاء على منابع الظواهر والسلوكات الشاذة التي تُفرمِل مسار النماء الاجتماعي .
لا يختلف اثنان في اعتبار الخدمة الاجتماعية سواء داخل الوطن العربي قاطبة أو بالمملكة المغربية على وجه الخصوص لاتزال شبه غائبة، سواء على مستوى السياسات العمومية أو على مستوى حضورها كمهنة داخل بعض القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم ، اللهم ظهورها بشكل محتشم بوزارة التربية الوطنية- أخيرا - بخلق مناصب جد معدودة .
لقد استبشرت المدرسة المغربية خيرا بخلق منصب أطر الدعم الاجتماعي والنفسي الذي ينهل أصحابه تكوينهم من العلوم الاجتماعية والإنسانية ، من جامعاتنا الأم فخامر جميع الناجحات والناجحين في المباراة حماس كبير للعمل وفق ما درسوه بالجامعة وبالمراكز الجهوية لمن التربية والتكوين حول ثلاث مجالات جوهرية تتمثل في المواكبة النفسية والاجتماعية والصحية ، إلا أن واقع الحال أبان عن مشاهد أخرى قَوّضت الحماس، وأسقطت جل الخريجين الجدد في شراك أعطاب المدرسة العمومية ، والذي تمثل أولا في عدم توفر أغلب الأطر الاجتماعية والنفسية على فضاء الاشتغال المهني ،في حين وجد النصف الآخر أنفسهم في شراك سد الخصاص الإداري أو فرض مهام إدارية خارج مهام القرار الوزاري الأخير 64.22 ، أو في صدام مع " عقليات إدارية كلاسيكية " لا تؤمن إلا بالمقاربة الزجرية التي نعتبرها من أهم أسباب ظاهرة الهدر المدرسي ونفور عدد كبير من التلاميذ من المدرسة العمومية المغربية إلى جانب -من طبيعة الحال -عوامل أخرى كالهشاشة والفقر ، كما لايمكننا مقابل ذلك أن ننكر تفهم العديد من موظفي القطاع الذين يمدون يد في العون ولو " رمزيا " في التقعيد لهذا الإطار الذي يتخبط بين أحضان هشاشة "التعاقد " .
إن الاهتمام بالصحة النفسية للمتعلمات والمتعلمين داخل مؤسساتنا التعليمية لم يكن يوما من باب الترف العلمي والمهني أو محاولة منا تقليد نموذج أجنبي وإسقاطه على مجتمع آلإرضاء جهات بعينها ، بيد أنه مدخل من مداخل الإصلاح وتحقيق التنمية المنشودة " لدولة الرعاية الاجتماعية "، وخير مثال على ذلك مايقوم به هؤلاء الشباب المتحمس من مواكبة نفسية لأبناء شهدائنا ضحايا زلزال الحوز الذين أضحى أغلبهم بدون أب أو أم في مشاهد أبانت على علو كعب المغاربة في التضامن والتآزر .