برعلا زكريا
الجولة الجديدة في سلسلة نضال الشعب الفلسطيني أماطت اللثام عن أمور عدة، منها مثلا قدرة المقاومة على نسف ادعاء الجيش الذي لا يقهر وظهور الغرب بوجه مكشوف لا يعير أي اهتمام لأطفال غزة ونسائها، بل يجردهم من الإنسانية، ولا يلتفت لتجويعهم وتقتيلهم وتخويفهم بغرض دفعهم لمغادرة أرضهم من جديد.
هو نفس الغرب الذي يتشدق بقيم الحرية وحقوق الإنسان والحيوان ونبذ الميز العنصري، حتى إعلامه تخلى عن الحياد والمهنية ليظهر بوضوح أن بنية قوية في الكواليس تصنع القرار بما يخدم مصلحة جهة معينة دون غيرها، حتى المتعاطفون مع القضية الفلسطينية في بعض الدول الغربية تعرضوا للمضايقات عندما هزتهم مشاهد الغارات وجثث الأطفال وعبروا عن رفضهم إخضاع أهل غزة لعقاب جماعي من خلال الحصار لعقود والاستعمال المفرط للآلة العسكرية المجنونة التي تطبق فعليا سياسة الأرض المحروقة، فلم تسلم منها الطواقم الطبية، ولا سيارات الإسعاف، ولا الصحفيون، ولا المدارس ودور العبادة.
ومن غرائب الأمور أن يجاهر بعض بني جلدتنا بنصرتهم للاحتلال، بل إن منهم من تفوق على المحتل في إقناع الرأي العام أن الكفاح من أجل الحرية عندما يرتبط بعرب ومسلمين فهو إرهاب ! والدليل على ازدواجية الخطاب مساندة الغرب لأوكرانيا ومدها بالمال والعتاد في إطار محاربة الزحف الروسي، كل ذلك تحت شعار حرية الأوطان والشعوب ! لكن في حالة إسرائيل تنقلب الموازين ويتحول الدعم للمستعمر !
وقد يبدو لوهلة أن الأمة الإسلامية تعاني من التشرذم والضعف وتكالب الأعداء، لكن يظل تاريخها زاخرا بأوقات كانت تتسيد العالم في جميع المستويات، ولا أحد يعلم كيف سيكون الوضع بعد عشرات السنين من الآن !
وعلى الرغم من المشاهد القاسية للقتل وبتر الأطراف والتجويع والترهيب والتنكيل، فقد اتفقت جميع الحضارات والديانات وأعراف المجتمعات على مر العصور، على أن الدفاع عن أرض الوطن شرف عظيم ما بعده شرف، مهما كان الثمن، لا يناله إلا الأبطال المغاوير، الذين تكتب أسماؤهم بحروف من ذهب في سجل التاريخ، وتذكرهم القصص والأساطيير، حتى أفلام الغرب التي حصدت أرقى الجوائز وأعلى الإيرادات منها ما هو مستلهم من حروب التحرير كفيلم breaveheart ( القلب الشجاع)، وهو فيلم أمريكي صدر سنة 1995، يصور ملحمة وليام والاس الذي قاد المقاومة ضد الإنجليز المحتلين لاسكتلندا.
والجميل أن الموت والألم والإحساس بفقدان الأحباب أمور تجري على الجميع، فرئيس أمريكا سيموت في يوم من الأيام، وسيعيش تجربة الموت المهيبة، كما يعيشها مواطن فلسطيني حولته قذيفة غادرة لأشلاء فالموت واحد مهما اختلفت الأسباب، كما أنه يحس بالألم إذا مرض، وعلى الأرجح أنه يعتمد على تركيبة متنوعة من الأدوية، وقد سقط مرات عدة أمام الكاميرات وسيظل إنسانا ضعيفا مغلوبا على أمره مهما كانت القوة العسكرية الموضوعة تحت تصرفه. وبحسب سيرة الرئيس الأمريكي، تم نقل بايدن مرتين إلى المستشفى بسبب تمدد في الأوعية الدموية الدماغية عام 1988 مما منعه من ممارسة عمله في مجلس الشيوخ لمدة سبعة أشهر. كما أنه تجرع مرارة فقدان ابنه الذي توفي بسبب سرطان الدماغ. فالبشر مهما أظهروا من قوة واستعلاء يظلون ضعفاء أمام متغيرات كثيرة.
وفي جميع الأحوال كلنا أموات مع وقف التنفيذ، وسنغادر بعد حين !
درس آخر علينا الانتباه له كمغاربة، أن عالم اليوم يحمل تحديات أكثر من أي وقت مضى مع وجود متربصين ومتآمرين، يجعلنا ملزمين بزيادة الاحتراس والتسلح والتدريب، أسوة بأجدادنا الذين روت دماؤهم تراب الوطن سعيا للتحرير.