لحسن الجيت
في مقال له نشرته هسبريس يوم 15 نونبر الجاري، قام أحد الوجوه المناهضة للعلاقات المغربية الإسرائيلية في شخص السيد "سيون أسيدون" بالرد على تلك الرسالة التي رفعها رئيس جمعية الإسرائيليين المنحدرين من أصل مغربي المدعو شمعون أحيون. وعوض أن يحترم هذا الرد منطوق الرسالة ويفتت مضامينها لمقارعة الحجة بالحجة، عمد السيد أسيدون أن يسقط أفكاره المسبقة والجاهزة ليبتعد في ذلك عن نص الرسالة ويشوه مضامينها ويتهم بشكل جزافي اليهود المغاربة باتهامات لا قبل لهم بها مما أفقد ذلك المقال المصداقية المطلوبة ليتحول إلى مقال تحاملي وكيدي أبعد بكثير من أن يكون موضوعيا وبناء.
على عكس ما حاول السيد أسيدون أن يدفع باتجاهه، ادعى أن تلك الرسالة انطوت على "جرأة" وكان قصده أن يقول "تجرأ" والفارق بين المصطلحين قد يراه الأعمى من بعيد. فالجرأة إقدام وشجاعة أما التجرؤ قمعناه التطاول. ولعل هذا ما يقصده السيد أسيدون ونؤكد له أنه ليس هناك تطاول وأن مقام جلالة الملك محفوظ وهو مقام أكبر من أن ينال منه أيا كان لا أحيون ولا أسيدون الذي حمل تلك الرسالة مضمونا أكثر مما قد تتحمله. وفي جميع الأحوال نحن لسنا لا مع هذا الذي لم يراعي قواعد التوقير والاحترام في تجلياته لبسيطة ولا مع ذاك الذي سمح لنفسه من منطلقاته المعروفة أن يزن الأشياء بأكثر مما هي على حقيقتها، وأن يحطب حطبا لنار تأبى الاشتعال.
من المحتمل جدا أن يكون السيد شمعون أحيون قد أخذ على عاتقه أن يخاطب بشكل شخصي جلالة الملك برسالته التي أراد من خلالها أن يشتكي لملكه ولملك اليهود المغاربة في إسرائيل خروج المغاربة في مظاهرات حاشدة مؤيدة للقضية الفلسطينية. ولأن العتاب يكون على قدر المحبة فقد عاتب السيد أوحيون المغاربة على موقفهم موضحا أنهم "أداروا ظهرهم" لأبناء الطائفة اليهودية المغربية في هذه الحرب. ومما يؤكد أنه يقصد المتظاهرين ولا أحد غيرهم هو إشارته الواضحة "بأننا أصدقاء لكم" ولم يقل بأننا رعاياكم. وهنا يتبين من هو المعني والمخاطب في تلك الرسالة التي سطر بالأحمر على فقرتها التي تشكل بيت القصيد في النص ككل.
إلى جانب هذه الخرجة الإعلامية التي تزحلقت بصاحبنا في مقاله الملغوم، حاول السيد أسيدون عبثا أن يبني حجة على باطل ليلصق بأبناء جلدته تهمة الخيانة كي يبرر دعوته إلى إسقاط الجنسية المغربية عنهم. وقد اعتمد في ذلك على قانون الجنسية المغربي الذي ينص كما قال في فصله 19 على أن حالات فقدان الجنسية المغربية تشمل المغربي "الذي يؤدي مهمة أو يشغل وظيفة في مصلحة عمومية لدولة أجنبية أو في جيش أجنبي إذا كان شغل هذه المهمة أو الوظيفة يتعارض مع المصلحة الوطنية ويحتفظ بها أكثر من ستة أشهر بعدما تنذره الحكومة المغربية للتنازل عنها".
بدون شك أن السيد أسيدون تنقصه القراءة الجيدة للنصوص القانونية . فالنص واضح وهو أوضح من خيال من أراد أن يعبث به. فقد قرأ ويل للمصلين ولم يقرأ عن صلاتهم ساهون. إسقاط الجنسية عن ذلك المغربي مشروط بشرط أساسي وهو أن يعمل صاحبه ضد المصالح الوطنية للمغرب. وبحسب علمي أن أبناء الطائفة اليهودية المغربية في إسرائيل لا أحد منهم ثبت في حقه ما يدعيه أسيدون. وأرفع في وجهه التحدي أن يأتي بدليل واحد. ولا أستبعد أن هناك خلطا عند السيد أسيدون في التمييز بين مفهوم المصلحة الوطنية وغيرها. فأكاد أن أجزم أن أولئك اليهود الذين يستهدفهم هذا الرجل ويريد إسقاط الجنسية عنهم لا لشيء سوى أنهم غير مناصرين للقضية الفلسطينية. وهذا قد يكون طبيعيا عند ذلك الشخص غير السوي الذي يرى في القضية الفلسطينية على أنها تعلو قضيتنا الوطنية. إإذن ما ذنب هؤلاء إذا كانوا يومنون بمبدإ "تازة قبل غزة".
كيف يمكن لإنسان عاقل أن ينزل عليهم العقاب وهم الذين أعربوا عن وطنية صادقة حينما نزلوا بكل ثقلهم لحث إسرائيل على الاعتراف بمغربية الصحراء وأنهم غير ما مرة أعربوا عن استعدادهم للالتحاق بوطنهم الأم للدفاع عنه في حالة تعرضه لأي اعتداء. وكيف يسمح السيد أسيدون لنفسه أن يعاقب اليهود المغاربة بجريرة شخص زل لسانه في رسالة أو تصريح. ليس من العدل أبدا أن نعتد بالاستثناء ونتغاضى الطرف عن قاعدة البيعة والولاء والأدعية التي يرفعونها في كنائسهم بالحفظ والصون للسلطان.
إذا كن هذا هو موقفك وهذه هي افتراءاتك، فما حكمك بالنسبة للذي يتهم المغرب بالتواطؤ في عملية تهجير اليهود إلى إسرائيل كما أشرت أنت بنفسك إلى ذلك في مقالك هذا، وكما قالت نبيلة منيب من قبلك بأن المعرب أرسل اليهود ليحتلوا الأراضي الفلسطينية. فهل أنتم مغاربة أم شيء آخر. بمنطقك الذي تتحدث عنه يجب عليك أن تتنازل عن الجنسية بموجب الفصل 19 من القانون الذي استشهدت به. فهل السحر انقلب على الساحر. وماذا تقول أيضا عن أبراهام السرفاتي الذي كان يناصر الطرح الجزائري بخصوص تقرير المصير. وبالرغم من ذلك الم يسقط المغرب عنه الجنسية وعاد الرجل ليموت ويدفن في تراب وطنه.
أين كنت أيها المتحامل على اليهود المغاربة حينما رفع السفير الفلسطيني لدى الجزائر "خرقة" الانفصاليين لم تخصص مقالا كما خصصته اليوم لتجلد ذاتك. ولم يتحرك فيك ساكن حينما قال ذلك الفلسطيني أن الطريق إلى القدس يمر عبر الصحراء الغربية. وماذا تقول كذلك عن رفاقك في مناهضة التطبيع الذين يروجون صباح مساء لأطروحة الجزائر ّبأن المغرب قد يكون السبب في نشوب حرب بعد أن قيل أنه استقدم إسرائيل إلى المنطقة.
كما أقول لك أيها المناضل في إخوانك اليهود ومن خلالك لأولئك الذين سمحوا البارحة لخالد مشعل أن يفرض عليكم الوصاية وسمحوا له بأن يتدخل في الشؤون الداخلية لبلدكم وفي أن يقحم نفسه فيما ليس له ويدعو إلى تغيير الخيارات الاستراتيجية لوطنكم. من أعطاه الحق لكي يتوجه ويخاطب الشعب المغربي. أين هي الأنفة وأين هو الكبرياء وأين هي العزة بالنفس، وأين هي تمغربيت. لقد سمحتهم له بأن يتطاول على سيادتكم. لقد عارضتم الرئيس الفرنسي حينما خاطب الشعب المغربي بعد الزلزال المدمر وقلتم ليس من حقه، فكيف تناقضون المبدأ وتشرعون الأبواب لهذا الكائن الذي ينعم في النعيم على حساب دم الشعب الفلسطيني البريء. أتحدى خالدكم هذا أن ينبس ولو ببنت شفة في حق تركيا أردوغان، أم أن تركيا ذات توجه إخونجي مسموح لها بما هو غير مسموح لغيرها ومسموح بأن يرفرف في سمائها العلم الإسرائيلي. خالد مشعل لن يتجرأ على تجاوز الحطوط الحمراء مع تركيا وإن فعل سيقطع لسانه. هل تركيا غير مستباحة والمغرب مستباح. فإن قبلتم بذلك فإننا نحمد الله أن المغرب ليس تحت رحمتكم ولن يكون. فللبيت رب يحميه.
إننا لا ندعوكم إلى أن تسقطوا عنكم الجنسية والحال أنكم قد أسقطتم الوطنية عن أنفسكم. شعاراتكم تجاوزت حدود التضامن أو مناصرة القضية وأخذت أبعادا سياسيوية يراد بها النيل من هذا البلد. لعلها النذالة وهي تتقمص ثوب الخيانة. فذروا البيع والمتاجرة لأنه الوطن.