اسماعيل الحلوتي
لم يكن حتى أكبر المتشائمين مما يقدم عليه مدبرو الشأن العام ببلادنا من "إصلاحات" هنا وهناك، يعتقد أن إطلاق الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية "نارسا" العمل ببنك أسئلة امتحان نيل رخصة السياقة، ابتداء من يوم الإثنين 25 مارس 2024، من شأنه أن يثير عاصفة من الغضب في صفوف المرشحين لهذا الاستحقاق في مختلف مدن المغرب، ولاسيما بعد ظهور نتائج الامتحان النظري في ظل النظام الجديد، التي كانت كارثية بكل المقاييس، حيث بلغت نسبة الراسبين في بعض المدن حوالي 100 في المائة، فيما لم تتجاوز نسبة الناجحين في أخرى 2 في المائة...
وهي النسب الصادمة التي جاءت مخيبة لآمال الكثير من المواطنات والمواطنين وأثارت موجة من الاستياء والاحتجاجات الصاخبة في أوساط الممتحنين بجميع مراكز الامتحان، مخلفة ردود فعل ساخرة وأخرى غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لم يفت أرباب مدارس تعليم السياقة انتقاد طبيعة بعض الأسئلة التي طرحت على المترشحين، دون إخفاء تذمرهم من طريقة تنزيل هذا النظام الذي أضر كثيرا بالمهنيين، لدرجة أصبحت معها بعض المدارس شبه خاوية منذ اعتماد بنك الأسئلة الجديدة.
ذلك أن جل المترشحين في مراكز الامتحان بمختلف المدن المغربية، استشاطوا غضبا من طبيعة الأسئلة المطروحة في مباراة الحصول على رخصة السياقة، باعتبارها أسئلة تعجيزية وغير منسجمة مع قواعد الامتحان والقوانين المعمول بها، ولا علاقة لها كذلك بمنظومة السير، وإلا ما كانت لتؤدي إلى هذه المهزلة الكبرى وغير المسبوقة، المتمثلة في الارتفاع المهول في أعداد الراسبين، الذين لم يجدوا أمامهم من وسيلة للتعبير عن تبرمهم سوى الشجب والتنديد بهذا النظام الجديد، ومطالبة الواقفين خلفه بضرورة التعجيل بمراجعته، مع الحرص على أن تكون الأسئلة مستقبلا واضحة ومتطابقة مع "كود" تعليم السياقة، كما سارع أرباب مدارس تعليم السياقة إلى الإعراب عن أسفهم الشديد لرسوب أغلب المرشحين.
ويشار إلى أنه فضلا عما أثارته الإجراءات التي تم الشروع في تطبيقها أمام الراغبين في نيل رخصة السياقة من جدل واسع وتعالي أصوات الاحتجاج والتنديد، فقد سبق لأحد ممثلي الأمة في مجلس النواب أن وجه سؤالا كتابيا إلى وزير النقل واللوجستيك محمد عبد الجليل، حول المشاكل التي أحدثتها بنك الأسئلة الجديدة الخاصة باجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة، حيث أكد على أنها أدت إلى حالة من السخط لدى المرشحين وأصحاب مؤسسات تعليم السياقة في كافة جهات المملكة، وزاد موضحا بأن مرشحي مدينته رسبوا جميعهم، خاصة بعدما قررت الوزارة اعتماد معايير تهم وضع ألف سؤال جديد للاختبار النظري، ووضع منصة إلكترونية للتعلم عن بعد، وإحداث رخصة سياقة رقمية، وإصلاح منظومة الاختبار التطبيقي عبر اعتماد جهاز محاكاة السياقة، وكاميرات للمراقبة بقاعة الامتحان.
فيما أعلن وزير النقل واللوجستيك محمد عبد الجليل خلال الندوة الصحافية التي عقدت عقب المجلس الحكومي الأسبوعي ليوم الخميس 28 مارس 2024 عن منح فرصة ثانية لإجراء اختبار جديد بالنسبة للمرشحين الراسبين في امتحان اليوم الأول، معتبرا أن الامتحان النظري في صيغته الجديدة هو في عمقه ورش لإصلاح منظومة تعليمية وتكوينية لنيل رخصة السياقة، وكيفية تعلم قواعد السلامة الطرقية، وليس امتحانا فقط، كما ذكر بأن النظام الجديد يندرج ضمن الإستراتيجية الوطنية لسنة 2017...
وفي ذات السياق يرى بناصر بولعجول المدير العام للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية أن انخفاض نسبة النجاح في امتحان رخصة السياقة إثر اعتماد بنك الأسئلة الجديدة لا يعدو أن يكون أمرا طبيعيا، مشيرا إلى أن أي إصلاح جديد يتطلب فترة للتكيف، وأضاف بأن الغرض من إطلاق هذا البنك الجديد هو تحسين ظروف السلامة على الطرق وليس من أجل وضع العراقيل أمام المرشحين لنيل رخصة السياقة، حيث بات من الضروري امتلاك المهارات الضرورية لتحقيق ذلك. وإلى جانب إقراره بارتفاع عدد "الساقطين"، شدد على تفنيد ما صاحب الإعلان عن النتائج من "شائعات" على منصات التواصل الاجتماعي حول طبيعة الأسئلة، وأوضح أن هذا النظام الجديد انطوى على "إصلاح عميق لبنية الأسئلة التي استمر العمل بها لأكثر من عقدين من الزمن" وأضاف بأن "أي تغيير جذري من شأنه أن يحدث عنصر المفاجأة، معلنا عن قيام الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بالمعاينة والتتبع وجمع المعطيات وتحليلها، وأنه بناء على ذلك ستتخذ الإجراءات اللازمة.
وبما أن الوزارة الوصية وقفت على مكمن الخلل بعد تحليل بنك الأسئلة وعملت على إصلاحه، مما ساهم بشكل واضح في ارتفاع نسبة النجاح خلال اليومين المواليين الثاني والثالث 35 ثم 40 في المائة، فإننا حتى وإن كنا نأمل صادقين في أن تتضافر الجهود في اتجاه التقليص من حوادث السير ببلادنا، نرفض بشدة مثل هذه الإصلاحات الارتجالية التي تنزل كالصاعقة على رؤوس المواطنين دون تخطيط ودراسة عميقين، ونطالب بعدم التسرع وتوخي الدقة والضبط قبل الإقدام على أي تغيير أو إصلاح مهما كان نوعه، تفاديا لما من شأنه الرفع من منسوب الاحتقان الشعبي وتهديد السلم الاجتماعي.