لحسن الجيت
لا يمارس النظام الجزائري تلك الدبلوماسية كما هي متعارف عليها في العلاقات بين الدول. فالحالة الجزائرية أكثر من أن تكون فريدة من نوعها، فهي شاذة بمفهوم وجود خلل في التركيبة وفي النمط الفكري الناتج عن مرض نفسي لدى القائمين عل الشأن العام في الجزائر عامة وعلى دبلوماسية هذا البلد على وجه التحديد.
ولأنها دبلوماسية يرتكز أساسها فقط على معاداة المغرب، فإن ترجمتها على أرض الواقع ينحصر في تتبع سياسات الدول تجاه المغرب سواء على مستوى العلاقات أو على مستوى المواقف. هذا الانشغال الزائد عن حده يضع النظام الجزائري في حالة ارتباك شديد يجعل علاقات الجزائر غير مستقرة تتأرجح بحسب الظروف بين حالتي المد والجزر. وبفعل ذلك، يصبح الارتجال والعشوائية هما أكثر من يتحكمان في اتخاذ قرارات طائشة ومتناقضة بين لحظة وأخرى. قرارات لا تستقر عل حال شأنها كشأن الكثبان الرملية فهي ما تكاد تكون ترهيبية حتى تصبح إغرائية وترغيبا.
حدث ذلك كثيرا مع فرنسا عندما اتخذ النظام الجزائري مواقف غاضبة ومتشنجة ضد باريس لكنه سرعان ما تراجع عنها من تلقاء نفسه ومن دون مبرر، وليس مهما أن يكون ذلك التراجع مذلا للجزائر، بل الأهم في تقدير ذلك النظام ألا تعطى للمغرب الفرصة لكي يستفيد من أزمة جزائرية فرنسية . نفس المشهد الدبلوماسي يعاد اجتراره في علاقة الجزائر مع إسبانيا من خلال مواقف وقرارات متضاربة اتخذها النظام الجزائري لأن مدريد أظهرت تقاربا قويا مع الرباط توجس منه كثيرا جنرالات الجزائر.
هذه الطغمة العسكرية لها قراءة ذات اتجاه واحد وهي أن أي تقارب وأي تعاون مع المغرب لا يفهم إلا في سياق لا ثاني له وهو أنه معاد للجزائر كما أنه ينطوي على مؤامرة يراد بها ضرب استقرار الجزائر وهيبتها التي لا توجد إلا في قاموس العنقاء. فكأن المغرب ممنوع عليه أن ينسج علاقات مع محيطيه الإقليمي والدولي إلا بما يرضي النظام الجزائري. هذه هي الغوغائية وهذه هي الزوبعة التي أثارتها الدبلوماسية الجزائرية حينما استأنف المغرب علاقاته مع إسرائيل وحاولت أن توهم البعض بما في ذلك أطياف من الشعب الجزائري بأن هذا التقارب يستهدف الجزائر في أمنها واستقرارها وقد يكون ذلك هو السبب في نشوب حرب وكأن العلاقات بين الجارين كانت في سابق عهدها أمنة مستقرة، وأن الجزائر لم تستنزف خيرات المغرب على مدى نصف قرن وأن الأزمة لم تبدأ إلا باستقدام إسرائيل إلى المنطقة.
كذلك لم تسلم دولة الإمارات العربية المتحدة من الخبث الجزائري ومن سموم جنرالاتها. أبوظبي عاصمة لدولة فرضت نفسها على المشهد الإقليمي والدولي سواء أحب النظام الجزائري ذلك أم كره، فهي لا تأتمر بأوامر أي كان ولن ترضى عن ما دون ذلك. دولة ذات سيادة كما هي دولة عنفوان وكرامة. قدمت الدليل على أنها بلد اكتملت فيه كل مقومات التنمية الشاملة فعلى الرغم من أنها دولة نفطية فإن هذه المادة الحيوية لا تتجاوز نسبة مساهمتها في الدخل القومي 20 بالمائة مما يعني أن اقتصادها ليس قائما عل الريع كما هو الحال بالنسبة للاقتصاد الجزائري الذي يعتمد فقط على ثروتي الغاز والبترول. والأدهى والأمر أن كل ما تنتجه الجزائر من هذه الثروة لا يساوي نسبة ما يتوضأ به الأشقاء الإماراتيون. لذلك فإن هذا التنوع الذي تسعى القيادة الإماراتية إل ما ينبغي أن يكون عليه اقتصادها هو الذي حملها ويحملها دائما على الدخول في مشاريع ضخمة سواء في المغرب أو غيره بعيدا كل البعد عن الحسابات السياسية التي تفكر فيها القيادة الجزائرية. فهي حسابات تعشش في ذهنهم. والسفيه لا ينطق إلا بما فيه.
ما تعرضنا إليه من هذه النماذج لا يعكس إلا وجها واحدا من تلك العملة وهو المتعلق بتلك الدول القوية التي يتعامل معها النظام الجزائري بمنطق لا حول له ولا قوة إلا بمجاراتها على قدر ما أوتي من لف ودوران لأنه لا يملك خيارات أخرى. أما الوجه الثاني وهو الأخطر يخص دول المنطقة ودول الجوار كما هو الأشرس في التعامل وقد يصل إلى حد التدخل العسكري في الشؤون الداخلية لتلك الدول إذا هي لم تطاوع النظام الجزائري أو تلكأت في الانخراط في أجندته التي يحتفظ بها ضد المغرب. الوصاية التي يريد ذلك النظام فرضها تخص دول الساحل والدول المغاربية كتونس وليبيا وموريتانيا. وقد يكون النظام الجزائري قد حقق مبتغاه في تونس قيس سعد مستدرجا هذا البلد إلى نوع من التبعية التي تمقتها القيادات التونسية التي تربت على مبادئ العزة والأنفة التي زرعها فيهم الرئيس الحبيب بورقيبة.
اليوم موريتانيا تعد أكثر من أي وقت تحت المجهر الجزائري بعد أن بدأت شكوك تحوم النظام الجزائري حول المواقف التي يتخذها الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني والتي لا ترقى من المنظور الجزائري إلى مستوى ما يريده جنرالاتها من انبطاح لإملاءات القيادة العسكرية بخصوص عزل وتضييق الخناق على المغرب. المواقف الموريتانية من الصراع الجزائري المغربي تتقيد من حيث المبدإ بالحياد الإيجابي. هذا الحياد ترى فيه القيادة الجزائرية أنه غير كافي ولم يعد يخدم أجندتها في المنطقة. فالمطلوب من الرئيس محمد ولد الغزواني، جزائريا، أن يتبع نفس ما يسير عليه الرئيس قيس سعيد. فعديدة هي المواقف التي لم يرض عنها النظام الجزائري كاستمرار العمل بمعبر الكركرات لتدفق السلع بين المغرب وموريتانيا. كذلك هي الزيارات المتبادلة بين الجانبين المغربي والموريتاني لم تكن هي الأخرى موضع ارتياح من طرف الجزائر. امتناع الرئيس محمد ولد الغزواني عن الامتثال أو الاستجابة لدعوة الرئيس الجزائري بتأسيس هيكل جديد كبديل للاتحاد المغاربي قد خلف هو الآخر امتعاضا لدى الجانب الجزائري الذي كان يريد من تلك الدعوة عزل المغرب مغاربيا.
كما أن الاهتمام الغربي بموريتانيا بدأ يثير حفيظة النظام الجزائري. هذا النظام الذي يبحث عن الزعامة غير المتيسرة له في المنطقة لن يقبل بأن يكون لبعض الدول المغاربية شأن أو أنها باتت تشكل محط استقطاب وعناية من طرف القوى الوازنة في العالم. وقد تزداد مكانة موريتانيا أهمية بحكم موقعها الجغرافي المطل على المحيط الأطلسي والمتاخم لإفريقيا الغربية ودول الساحل كل ذلك يجعل منها حجر الزاوية في معادلة إقليمية ودولية وركيزة أساسية في المشاريع الضخمة التي تنتظر المنطقة برمتها. بكل تأكيد أن تعاونا ثنائيا بين المغرب وموريتانيا قد يقبر إلى ما لا نهاية أحلام نظام مارق وآثم في الحقوق الاقتصادية والحق في التنمية لدول الجوار.
لهذه الاعتبارات، يبدو أن النظام الجزائري ليس ببعيد عن إعداد مخطط ما ضد موريتانيا الشقيقة. وقد أرسل هذا النظام إشارات خطيرة للرئيس محمد ولد الغزواني كي يستيقظ ويعيد حساباته. تصفية أقرب حراسه لعلها قد تكون رسالة لمن يهمه الأمر ونذير شؤم لسيناريو ينبغي على الأشقاء في موريتانيا أن يكونوا عل درجة عالية من اليقظة. ولعلهم مدركون تمام الإدراك لهذا الأمر. فإجراء بعض التغييرات على حاشية الرئيس الموريتاني من أطقم أمنية وعسكرية قد يكون عنوانا للإجراءات الاحترازية التي يجب تعميقها وتوسيعها. وأن هذه الإجراءات قد تكون غير كافية فيما قد يتوعد به المشهد الموريتاني من تحديات تعرض أمن واستقرار البلد إلى مخاطر قد تستخدم فيها ميليشيات أو جماعات إرهابية تدور في فلك النظام الجزائري وعلى رأسها منظمة البوليساريو الإرهابية.
أحمد منصور
مقال رائع
السلام عليكم المقال يضع الإصبع على مكامن الداء لدى حكام الجزائر من خلال سرد وقائع واحداث تاريخية