نورالدين زاوش
بمناسبة اقتراب امتحانات شهادة الباكالوريا في الجزائر، صرّح وزير التربية الجزائري بأن كل تلميذ ضُبط في حالة غش سيتعرض لعقوبة حبسية لفترة تتراوح ما بين 7 سنوات و15 سنة، الأمر الذي جعلني أتساءل بيني وبين نفسي عن أسباب هذا "التساهل" الفظيع وغير المبرر؛ خصوصا وأن أغلب هؤلاء التلاميذ قاصرين لم يبلغ بهم النضج مبلغه بعد، مما يجعلهم غير واعيين بتبعات الجرم الذي ارتكبوه، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، فإن سجون الجزائر لا تُخرِّج إلا قطاع طرق، وقتلة، ومجرمين محترفين في باقي أنواع الإجرام التي لم يكن لهم سابق معرفة بها قبل دخولهم للسجن.
على أيٍّ، فمجرد العيش في الجزائر يعتبر عقوبة حبسية مؤبدة مع الأشغال الشاقة، حيث يضطر الجزائري إلى الاشتغال طول النهار من أجل أن يحصل على ثمن كيس من القمح ولتر من الزيت وقنينة غاز؛ ثم الاشتغال طول الليل في طوابير لا تنتهي ولا تتوقف من أجل الحصول عليها؛ الأمر الذي جعلني أتساءل بيني وبين نفسي: متى ينام الجزائري، ومتى يقضي حاجته؟
الخبر المفرح أن الجزائري قد تجاوز مرحلة المعاناة من ندرة المواد الأساسية التي لم تَعُد تؤرقه أو تَقُضّ مضجعه؛ لأنه، بكل بساطة، صار يعاني من ندرة المواد الحيوية التي تهدده بالانقراض مِن على وجه البسيطة؛ وما أحداث الشغب وقطع الطرقات وتخريب الممتلكات في ولاية "تْيارت" التي انقطع عنها الماء لأكثر من شهرين متتابعين، حتى بنت العناكب أعشاشها في فوهات صنابير المياه؛ إلا خير دليل على الجحيم الذي يعيشه هذا المواطن الساذج في الدنيا قبل الآخرة؛ لكن الجزائري، ابن مليون ونصف مليون شهيد، صابر ومحتسب مادامت سيادة الجزائر لم تُنتهك، وما دامت الخرائط "الوهمية" لا تزين القمصان.
إن مسلسل الصحراء قد أوشك على نهايته، ولم يتبقَّ منه إلا دعاء كفارة المجلس وينفضَّ الجمع كلٌّ إلى حال سبيله؛ خصوصا وأن صاحب الجلالة، حفظه الله تعالى ونصره، قد صادق في المجلس الوزاري الأخير على إحداث مناطق للصناعة الحربية التي ستغير وجه المنطقة إلى الأبد؛ ومع ذلك، فإن عمي "تبون" غير مدرك لحقيقة الوضع الذي آلت إليه المنطقة، حيث بدت ابتسامته في زيارته الأخيرة لمدينة "خنشلة" أعرض من قُطْر فمه العريض، وهو محاط بالأمن والجيش والمخابرات وأفراد القوات الخاصة بدروعهم الغليظة ورشاشاتهم الثقيلة، وكأنه زعيم عصابة من عصابات الاتجار الدولي في المخدرات، وسرعان ما ازدادت ابتسامته اتساعا وانتشارا على شفتيه الغليظتين وهو يسمع الناس تهتف باسمه اللعين، وتُقَبِّل يده الملطخة بدماء الأبرياء، الأمر الذي جعلني أتساءل بيني وبين نفسي: كيف سيبدو شكل ابتسامته في الحملة الانتخابية لولايته الثالثة؟