أجدور عبد اللطيف
تزداد كل سنة جحافل الْمُشَنِّعِينَ على النُّسّك القاسية قلوبهم الذين يُقْبِلُونَ على جز رؤوس "الحيوانات البريئة" بكل فرح وغبطة. نطالع كل سنة، هنا وهناك، كتابات خيطها الناظم وفرة المغالطات المنطقية والتاريخية، تخص عبادة عيد الأضحى،. لا أخفي أن بعض هذه الآراء تُسَرِّيَ عن النفس لغبائها في أحيان كثيرة، تدور في فلك: أ الروح تسكن الخراف المضحى بها أم النفس؟ وما الفرق بين هذه وتلك؟ وهل الذبح طقس ديني أم مجرد موروث ثقافي خرافي. وهلم جرا.
وبالموازاة، تزداد، سنة بهد أخرى، مشاعرنا تجاه الأعياد والمناسبات شحوبا، ويعم تواطؤ خفي على إنجاز الطقوس المتعلقة بهذه الأيام بميكانيكية بحتة، لا يشوبها أثر محبة ولا شغف، وهكذا يلح تساؤل منطقي مفاده ما الذي تغير في الطفل الذي كانه كل واحد منا يوم كانت فرحة العيد تملأ جوفه كما يملأ التبن كيسا عتيقا في موسم حصاد وفير؟ وهل تغيّر الكبار؟ وهل تغير الأقران الذين قاسمناهم الحلوى والقطع النقدية والركض خلف بوجلود؟ وهل تغيرت رائحة فطائر الأمهات المحلاة بالزبدة والعسل، تفاصيل وأخرى كانت ترغمنا على ترك الفراش الوثير الذي لا يقايض بشيء آخر؟ لم تغير الأمهات قط فرحتهن وعطفهن، وبذلهن رغم تعبهن، وقضائهن كل عيد ساعات في المطبخ، ويعز عليهن رغم ذلك تخلف كل الضيوف الواجب قدومهم، ثم هل تغير وقع التقاسيم الأندلسية الذي تبثثها الإذاعية الوطنية في هذه المناسبات؟ وهل تغيرت الإذاعات في ترانزيستور الآباء التي كانت تصدح صباحات العيد ب "يا ليلة العيد" فتفعمنا بمشاعر علوية لا يفلح في إيفادنا إياها سوى الحبال الصوتية لفيروز.
فلا تتردد بخلدي سوى مقولة تشيخوف الضاربة في العمق والحق: يشيخ الانسان عندما يتوقف عن الحلم ويبدأ في التذكر.
عموما، ورغم الغلاء، والظلم في العدوان، وغصة فلسطين، رغم جنون إنسانٍ ينتج مزيدا من العبث، والكره، والخراب، لا نختلف أن الإيمان الذي يشغلنا يوجب التصديق بكلمات الله: وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب ، وبمقتضى هذه الإشارات الربانية أتقدم لكل الأصدقاء والصديقات بتهاني العيد الدافئة، ولنتذكر رغم كل السياقات الحالية التي تبعث على الأسى والحزن، ورغم كل الراحلين، وهموم القلب، لا يسعنا سوى أن نمضي
بحب وتباث وحسن ظن بربنا ورب الراحلين ورب العيد.