عبد اللطيف مجدوب
مهما احتفظ لنا التراث الإنساني من "أدبيات الماء" ، من حيث أوجه الاستعمال والترشيد ، فلن ترقى إلى المفهوم البيولوجي بوصفه "مادة الحياة" (life Substance ) والتي بدونها لا يمكن تصور حركية عضوية بدونه، حتى غدا ؛ في السنوات الأخيرة ؛ الشغل الشاغل لمعظم علماء الاركيولوجيا والجيولوجيا معا ، فضلاً عن علماء الفضاء الذين جعلوا نصب أعينهم ؛ وهم يغزون الكواكب المجاورة ؛ البحث عن آثار الحياة وفرص تأهيلها بالكائن البشري ، إذا تم العثور على عنصري الهيدروجين والأوكسوجين متحدين . (H2O )
فآفة العصر الصناعي الحديث كانت وما تزال يشكل التلوث أبرز أخطارها ، في سياق منظومة تنموية محمومة ، تزداد فيها وتيرة الحاجة الماسة لاستهلاك المياه ، وهكذا أفضى الوضع إلى صورة قاتمة جراء الاحتباس الحراري وما ينجم عنه من تقلبات أحوال الطقس وشح التساقطات المطرية ، وتزايد وتيرة الكوارث الطبيعية ، كاشتداد الحرائق الفصلية وارتفاع درجات الحرارة ، وارتفاع منسوب الذوبانات القطبية وتوقع تسوناميات كارثية.. (Tsunamis catastrophic)
وقد دفعت الحاجة إلى تأمين المياه الشروبة بالعديد من الحكومات ؛ في انحاء العالم ، وتحت تهديد ظاهرة الجفاف ؛ إلى سن سياسة مائية Water Policy)) ، تعتمد على تقنيات تكنولوجية متقدمة ؛ منها "استمطار السحب" (cloud seeding ) وتحلية مياه البحر والأحواض المائية ، وعلاج المياه الآسنة والصرف الصحي ، بل إن هناك ؛ من الدول ؛ من سارت تخطط من الآن لحروب مستقبلية قائمة على الصراع حول الجداول والأنهار والبحيرات والبحار ، فلا غرو أن تصير بمثابة "المعدن النادر" الذي يتجاوز ؛ في أهميته وحيويته ؛ معدن الذهب والبلاتين !
بيد أن هناك دراسات إكولوجية حديثة ، سلطت الأضواء على أوجه كثيرة من هدر هذه المادة وسوء استعمالها ، تقارب نسبة %30 من حجم ما يصل إليه من مصادر المياه ، وخرجت بقناعات وتوصيات جد هامة ، مبلورة في سياسة "ترشيد المياه" (rationing water use ) ، وكذا خلق كوادر بشرية ؛ توكل إليها مهمة مراقبة الاستهلاك المائي ، وزجر أشكال التبذير والهدر ، علاوة على تغذية المناهج والبرامج التعليمية بمادة دراسية جديدة بعنوان "مادة الماء" .