عبده حقي
أثار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون جدلًا كبيرًا بتصريح جريء مفاده أن الجيش الجزائري "مستعد" للتدخل في غزة، بشرط حاسم ووحيد هو أن تفتح مصر حدودها مع القطاع المحاصر. ولم يشير هذا التصريح إلى دعم الجزائر القوي للقضية الفلسطينية فحسب، بل ذهب أبعد من ذلك وانتقد ضمنيا الشقيقة مصر.
وقد أثارت تصريحات تبون موجة من المناقشات الساخرة ، حيث شبه بعض المراقبين خطابه بخطاب الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، المعروف بمواقفه الغريبة والاستفزازية في كثير من الأحيان بشأن القضايا الإقليمية والدولية. ولكن بعيدًا عن المقارنة السطحية، فإن تصريح تبون يثير تساؤلات أعمق حول الدوافع وراء خطابه الجماهيري الأخير والآثار المترتبة على دور الجزائر في الشرق الأوسط والحرب على غزة.
تصريح تبون الأخير يمثل خروجا عن الخطاب الدبلوماسي الجزائري التقليدي. فمن خلال الإعلان صراحة عن استعداد الجيش الجزائري للتدخل، فقد تجاوز مجرد الدعم السياسي إلى طاحونة المواجهة العسكرية مع إسرائيل ــ وإن كان ذلك مع الشرط الحاسم بأن مصر لابد أن تفتح حدودها أولا مع غزة. وهذا العرض المشروط ليس مجرد إظهار للدعم للفلسطينيين؛ بل إنه أيضا نقد لاذع لتعامل مصر مع الوضع في قطاع غزة.
في عمق هذا الأمر، يسلط تبون الضوء على مصر، ويتساءل ضمناً عن سبب عدم فتح القاهرة لحدودها للسماح بتدخل أكثر مباشرة أو تدفق للمساعدات. ومن خلال القيام بذلك، يلقي تبون جزءاً من المسؤولية عن الأزمة الإنسانية المستمرة إلى مصر، مما يشير إلى أن الحل قد يكون بسيطاً مثل قرار من القاهرة بفتح معبر رفح. وهذا بالطبع تبسيط مفرط للحقائق الجيوسياسية المعقدة في المنطقة، لكنه يخدم غرضاً تبونيا انتخابيا واضحاً.
إن المقارنة بين تبون والقذافي ليست مجانية أو للسخرية. فقد كان القذافي معروفًا بخطاباته الصاخبة والمثيرة للجدل في كثير من الأحيان، والتي جعلته مزعجا للقوى الإقليمية والعالمية. ومثل القذافي، يمكن اعتبار بيان تبون شكلاً من أشكال المناورات الدبلوماسية، باستخدام تصريحات جريئة لوضع الجزائر كلاعب رئيسي في قضايا الشرق الأوسط، حتى لو كانت الآثار العملية لمثل هذه التصريحات موضع شك.
ولكن إذا كان القذافي قد استخدم خطاباته في كثير من الأحيان لتعزيز صورته كزعيم عربي متمرد لا يخشى تحدي الوضع الراهن، فإن دوافع تبون ربما تكون أكثر حسابية. فمن خلال استحضار احتمال التدخل العسكري، لا يكتفي تبون باستمالة الجماهير الجزائرية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية؛ بل إنه يضع الجزائر أيضا في موقف أخلاقي في هذه القضية، فيتناقض موقفها مع ما يشير إليه ضمنا من تواطؤ مصر في الحفاظ على الوضع الراهن.
ورغم أن تصريح تبون المتهور قد لفت الانتباه بلا أدنى شك، فإنه يحمل في طياته أيضا مخاطر كبيرة. وأكثر هذه المخاطر وضوحا هو رد الفعل المحتمل من جانب مصر، وهي لاعب رئيسي وقوي في العالم العربي، وعلاقتها المتشابكة مع غزة والصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأوسع نطاقا. ويعود إحجام مصر عن فتح معبر رفح إلى شبكة معقدة من المخاوف الأمنية والحسابات السياسية والضغوط الدولية. ومن خلال تحدي موقف القاهرة علنا، يخاطر تبون بتنفير قوة إقليمية كبرى وتعقيد العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر.
وعلاوة على ذلك، هناك مسألة ما إذا كان جنيرالات الجزائر مستعدون حقا لدعم أقوال تبون بالأفعال. ففي حين تتمتع الجزائر بجيش وصفه تبون ب(القوة الضاربة) ، فإن اللوجستيات اللازمة لأي تدخل محتمل في غزة ستكون شاقة، وخاصة في ضوء العقبات الجيوسياسية والحدودية الدولية . وبالتالي، قد يكون بيان تبون مجرد زخرفة خطابية أكثر من كونه مقترحا حقيقيا للدعم العسكري، بهدف الإشارة إلى التزام الجزائر بالقضية الفلسطينية بدلا من المبادرة إلى اتخاذ إجراء ملموس.
إن تصريح الرئيس تبون حول استعداد الجيش الجزائري للتدخل في غزة، بشرط فتح مصر لحدودها، هو خطوة جريئة واستفزازية إن لم تكن متهورة أثارت نقاشا كبيرا. فمن خلال إلقاء اللوم بشكل غير مباشر على مصر والتلميح إلى أن قرارا بسيطا من القاهرة قد يحل الأزمة، وضع تبون الجزائر في موقف حرج لا تحسد عليه في الحاضر وسيكون له ما بعده في المستقبل.
وبهذا يكون تبون قد تقنع بقناع القذافي من التحدي والطموح، سعياً إلى الارتقاء بدور الجزائر في السياسة الإقليمية بعد أن تقهقرت على المستوى الإفريقي خصوصا بعد اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء . ومع ذلك، فإن هذا القناع ينطوي على مخاطر، سواء من حيث علاقات الجزائر بمصر أو العواقب الأوسع نطاقاً على سياستها الخارجية خصوصا مع الدول الحليفة لإسرائيل. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المقامرة ستؤتي ثمارها، ولكن هناك شيء واحد واضح: لقد أضاف خطاب تبون فصلا جديدا من التعقيد الديبلوماسي الفاشل الذي سيؤدي بالجزائر لامحالة إلى الفتنة الليبية الكبرى .