الرئيسية | أقلام حرة | وظيفة المدرسة بين القيم المجتمعية المغربية وقيم الإنسان الكوني

وظيفة المدرسة بين القيم المجتمعية المغربية وقيم الإنسان الكوني

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
وظيفة المدرسة بين القيم المجتمعية المغربية وقيم الإنسان الكوني
 

وأنا أشاهد إعادة للحلقة الأخيرة من مسلسل" أرابيسك" للنحم صلاح السعداني ، أثار انتباهي مشهد سبب هدمه للفيلا التي ترمز لمصر و الشخصية المصرية التي يريدها المجتمع. و تذكرت أن نفس الأسئلة و نفس الهواجس هي ما زلنا نتخبط فيها منذ سنوات و لحد الآن لم نستطع التوصل إلى الوصفة الناجحة لتحقيق هذه الغاية أو ما كنا نصطلح عليه بالمرامي و الغايات إبان دراستنا في مركز تكوين المعلمين في الثمانينات و التسعينات.

   و لا أعتقد أننا في ظل التسارع الكبير الذي يعرفه العالم في التكنولوجيات المتطورة و في ظل سطوة الهاتف النقال و مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت واقعا لا يمكننا تجاهله و صارت إدمانا عند فئة عريضة من الناس سنجد الحلول بسهولة ، و لاأدري إلى متى ستصمد الهوية المغربية في وجه إعصار و تسونامي الإنصهار العالمي اللاواعي في قالب المواطن الإستهلاكي النمطي ، سهل الإنقياد، الذي يهيم مع كل وادي. و الريح اللي جات تديه؟

      إذا كان الميثاق الوطني للتربية و التعليم و جميع الإصلاحات التي تبناها المغرب تقول مايلي:

ينطلق إصلاح نظام التربية والتكوين من جعل المتعلم بوجه عام, والطفل على الأخص, في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية. وذلك بتوفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم, ويكونون متفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة، و إن بلوغ هذه الغايات ليقتضي الوعي بتطلعات الأطفال وحاجاتهم البدنية والوجدانية والنفسية والمعرفية والاجتماعية, كما يقتضي في الوقت نفسه نهج السلوك التربوي المنسجم مع هذا الوعي, من الوسط العائلي إلى الحياة العملية مرورا بالمدرسة التي يجب أن تكون مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة, والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن, مما يتطلب نسج علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي مع الإسهام في

استيعاب القيم الدينية والوطنية والمجتمعية.

يسعى النظام التربوي المغربي إلى إ كساب المتعلمات والمتعلمين القيم والمعارف والمهارات ، التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية والاجتماعية ومواصلة التعلم مدى الحياة، وتزويد المجتمع بالكفاءات من المؤهلين والمواطنين القـادرين علـى الإسهام في البناء المتواصل للوطن ؛ وذلك بالارتكاز على قيم العقيدة الإسلامية و الهوية الحضارية المغربية وحـب الـوطن وقيم حقوق الإنسان في شموليتها، والتشبع بالحوار والتسامح والانفتاح على الغير وتنمية الـذوق الجمـالي والثقـة بـالنفس والاستقلالية والتفاعل الإ يجابي مع المحيط ، وممارسة النقد وإعمال العقل، وتقدير العمـل والمثـابرة والمبـادرة والابتكـار والاجتهاد والتنافس الإيجابي والوعي بأهمية الزمن والوقت واحترام البيئة......

  بعد كل هذه التوطئة الطويلة و الغايات النبيلة ،و في ظل ما نشاهده من ظواهر سلبية مشينة في واقع مجتمعنا علينا أن نطرح دائما الأسئلة المحرجة المباشرة و بدون لغة خشب ، لأنني أومن أن الأسئلة البسيطة المباشرة هي الحل و هي الأصعب في الإجابة عنها.

 +كيف يمكننا إقناع جيل اليوم بفائدة المدرسة و العلم في ظل سيطرة التافهين على المشهد الاجتماعي و الاقتصادي؟ +كيف يمكن إقناع الجيل الحالي بأهمية الإفتخار بهويته المغربية و هو يرى أن هويته لا تزيد أو تقل أهمية عن هوية بقية العالم و يكفيه لمعرفة ذلك ضغطة واحدة على أزرار حاسوبه أو هاتفه النقال؟

+ كيف نقنعه بالافتخار بدينه و هو يرى و يسمع و يشاهد التناقضات بين مذهب ديني آخر و فقيه و أخر و يرى في المواقع مواطنون ملائكة ينصحون و في الواقع يجد شياطين يتقاتلون ؟

+ كيف نجعل طفل اليوم قادرا على الصمود في وجه كل التناقضات و هضمها و الحفاظ على تمغرابيت ديالو؟

 + كيف السبيل إلى قيم التآخي و التآزر التي تنهار يوما بعد يوم و كيف الوقوف في النزعة الفردية الأنانية الإفتخارية التي تزداد وحشية كل يوم والتي جعلت الغالبية لا تتعاطف مع أقرب الناس و المجتمعات و الافراد إليها و الإرتماء في أحضان القيم و المجتمعات التي كنا نمقتها إلىى و قت قريب، و أضحى الجميع متفرجا على المشاهد دون تحريك ساكن و لسان حاله يقول: أنا و من بعدي الطوفان.

  أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة آنية و ليس التغني بذكريات " الزمن الذهبي- جيل الطيبين" ، فالماضي لا يعود، قد نعود إليه لنستقي الدروس و العبر لكن لا يمكننا الوقوف على أطلاله، فالتحولات القيمية المجتمعية تتسارع بمتتالية هندسية، بينما القدرة على الصمود فتسير بأقل من متتالية عددية، فما كان في الماضي عيبا و حراما صار اليوم مباحا وما كان في الماضي " تشلهيبا" مكرا و خداعا صار اليوم قدرة على التكيف مع المتغيرات، و ما كان صفة الرجولة و الأمانة صار اليوم سذاجة و بلادة. أغلب ما تربينا عليه و قيل لنا أنه عاداتنا و تقاليدنا نجد اليوم عكسه، بل هو السائد في أغلب الأحيان.

   لا شك أن الانتصارات مهما كانت بساطتها ، تنمي الشعور بالافتخار بحب الوطن ، و لو كانت مسيسة و مسيرة من طرف بعض الجهات ، لكنها وسيلة فعالة في الحفاظ على الهوية الوطنية لمجتمع أو وطن ما، و لنا في إنجازات المنتخب الوطني لكرة القدم و العداء " سفيان البقالي" مثالا على الافتخار بالهوية المغربية الوطنية ، لكن هذا الحل لا يكفي لأننا إذا لم نعط المدرسة المكانة التي تستحق فهذه الهوية و هذا الافتخار قد يتلاشى مع أول خيبة أمل أو هزيمة مهما كانت بساطتها أيضا . لذا لنكن موضوعيين : لو خيرنا الشعب المغربي بين البقاء في أحضان بلده و السفر خارجه، أعتقد أن الغالبية العظمى ستختار الحل الثاني، و إذا خيرنا المغاربة المقيمين بالخارج بين مرارة الغربة و عسل بلادهم، فإنهم سيختارون مرارة الغربة رغم كل ما ينشروه عن صعوبة العيش و المشاكل التي تعترضهم هناك لكنهم يتسابقون لحمل جنسية الدول التي يعيشون فيها و لن يعودوا للوطن إلا للسياحة أما الاستقرار فلا.

   ما السبيل للحفاظ على القيم المغربية المتجدرة في أعماق التاريخ؟ أكيد هناك حلول كثيرة لكن جميعها تبدأ و تنتهي عند أسوار المدرسة لذا سأقترح بعضا منها و أهمها و أولها:

  البدء دائما من المحيط المحلي و ترسيخ الإعتزا ز به بتزامن مع زرع ماهو افتخار بالوطني في قلوب الناشئة من خلال دراسة كل جوانب الهوية المغربية و بعد تقوية الدعائم يمكن الإنتقال إلى ماهو عالمي و إنساني حتى يستطيع هذا المواطن مواجهة إعصار العولمة ؟

     + نبذ كل أنواع العنصرية المقيتة التي نرى نتائجها في منشورات المواقع الاجتماعية و التأكيد على أن المغاربة كلهم واحد و سواسية ، من طنجة إلى الكويرة ، الكل مرحب به في أي مكان من بقاع وطنه و هذا لن يتأتى إلا بإنسان تشبع منذ بداية مساره الدراسي بحب الوطن بدْا من النشيد الوطني انتهاء بقدرته على أخذ حقه في إطار القانون.

+ تثمين الرأسمال البشري و جعله الثروة الحقيقية فعلا و ليس قولا من خلال النماذج الحية و التطبيق الأمثل للقانون على الجميع ، و أن الكل سواسية في ظل احترامهم للمبادئ الكبرى للدستور و عدم المساس بالمقدسات ، نفس الحقوق و الواجبات للجميع و الأسبقية للأفضل و الأكفأ و ليس لأشياء أخرى ؟ و الإحتكام دوما للقانون .

 + جعل المدرسة فعلا صورة مصغرة حقيقية للمجتمع و ليس تجميلا لعيوبه و ماكياجا يداري قبحا مزمنا ، و البدء من الصغر لأن التغيير ممكن إذا غيرنا الأنفس مصداقا لقوله تعالى، فهل فعلا لدينا الرغبة في التغيير؟

في الختام يحضرني مشهد رائع لم ينل حقه من التحليل لأنه يلامس الحقيقة التي لا يريد المسؤولون الانكباب عليها و إيجاد الحل النهائي لها.

  في مسرحية " مدرسة المشاغبين" رغم كل ما يعاب عليها و يقال إنها دمرت جيلا بأكمله لكن الجميع يتغافل عن أفضل مشهد فيها و الذي لم يأخذ حقه الذي يستحق، و الذي يلخص الواقع الذي نعيشه, وهو عندما سأل بهجت الأباصيري الأستاذة عن المرتب الذي تأخذه بعد الاقتطاعات " المستنقعات " على حد قول سعيد صالح، فأجابت 21 جنيه فسألها: هل من المنطق إن الواحد يضيع نصف عمرو علشان 21 جنيه؟ دا يبقى هبل . و رغم أن الأستاذة أجابته أن العلم لا يكيل بالمال لكن إجابتها تظل بدون معنى.

   لنحلل المشهد في ظل مانراه في مجتمعنا الاستهلاكي و الافتخاري الأناني الذي صار كل من هب و دب يفتح نوافذ حياته و أفعاله على العالم من أجل المال و في ظل عدم قدرة أغلب الموظفين الصغار على تحمل الغلاء الفاحش، فهل فعلا " العلم لا يكيل بالمال؟ " الباذنجان"؟ حقيقة لم يعد من السهل إقناع أطفال اليوم بها و إقناعهم أن الطريق إلى حياة الرفاهية و الارتقاء الاجتماعي يمر عبر المدرسة، و أنه الطريق الصحيح، لأن هناك طرق أسهل و أسرع لأن الأمثلة الشائعة حاليا هي : كل الطرق تؤدي إلى روما ، و أيضا الغاية تبرر الوسيلة و أنا و من بعدي الطوفان" .

      و يتفاقم المشكل أكثر عند الآباء الذين لديهم أولاد في سن المراهقة. كيف تقنعه أن المؤثر المشهور كان أبلد فرد في المدرسة وهو يرى العامة تتبعه و تقتدي بنصائحه؟ كيف تقنعه أن من و ما يراه في العالم الافتراضي غير حقيقي و مزيف و هو يرى بأم عينه سطوة ما يطلق عليهم ب" المؤثرين" و الذين أصبح العديد منهم قدوة لأجيال بينما في السابق كان يُنظَر إليهم ك " عبرة"؟ كيف نحمي النشء القادم من التافهين و المجرمين و أصحاب السوابق الذين يتصدرون المشهد و الذين يقدمون أنفسهم كنماذج للنجاح و نرشدهم للطريق الصحيح؟ كيف نحصنهم من المؤثرات السلبية في الوقت الذي نجد فيه أن من كنا نتوسم فيه الخير يصف رجال و نساء التعليم بصفات نستحي من إعادة نشرها؟ كيف السبيل لتحصينه وهو يرى الشيخة تنتقد المهندس و الطبيب و لا يحدث لها شيء بل يتم حراستها من طرف الأمن و الدرك و تعطاها الهدايا بينما مربي الأجيال و الأطباء و الممرضين يُسحلون في شوارع الوطن؟ وكيف تقنعه بحب الوطن و هو يرى أن الغالبية تسارع إلى الهجرة خارج هذا الوطن بحثا عن العيش الكريم؟

     لن أطيل كثيرا لأختم بأن التغيير ممكن رغم صعوبته، يبدأ من البيت و يمر عبر المدرسة و يحرسه سيادة القانون العادل، فهل لدينا الاستعداد لخوض المعركة؟

 

 

 

مجموع المشاهدات: 8015 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة