عبده حقي
لقد أثارت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر جدلاً كبيراً، وخاصة بعد الفوز الساحق للرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي حصل على 94.7٪ من الأصوات. وقد طعن مرشحا المعارضة، عبد العالي حسني شريف ويوسف أوشيش، رسميًا في نتائج الانتخابات، زاعمين وجود مخالفات وانتهاكات خطيرة في عملية التصويت وسلوك مسؤولي الانتخابات. ويمثل هذا الطعن القانوني لحظة محورية في المشهد السياسي الجزائري الراهن، مما يعكس المزيد من التوترات المستمرة بين الطغمة الحاكمة والمعارضة.
تميزت الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 7 سبتمبر 2024 بإقبال ضعيف من الناخبين، حيث شارك حوالي 48٪ فقط من إجمالي 5.6 مليون ناخب مسجل. وقد أثار هذا العزوف تساؤلات حول شرعية العملية الانتخابية والدعم الفعلي لتبون، الذي تولى السلطة منذ عام 2019 بعد فترة من الاضطرابات السياسية الخطيرة حيث تعرضت إدارته لانتقادات بسبب علاقاتها الوثيقة بالعسكر وقمع المعارضة، خاصة على خلفية حركة الحراك المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت في عام 2019.
وعلى الرغم من الإعلان الرسمي عن فوزه، أعربت المعارضة عن تشكيكها في نزاهة العملية الانتخابية. وزعم شريف وأوشيشي، اللذان حصلا على 3% و2.1% من الأصوات على التوالي، أن الانتخابات شابها التلاعب والتزوير، وخاصة في مراكز الاقتراع حيث يزعمان أن المسؤولين في مراكز الاقتراع واجهوا ضغوطاً لتغيير النتائج. وقد تفاقمت هذه المزاعم بسبب مزاعم التصويت بالوكالة والفشل في تقديم سجلات دقيقة لفرز الأصوات لممثلي المرشحين، وهو ما يؤكدان أنها ممارسة لاديموقراطية تقوض شفافية الانتخابات.
في العاشر من سبتمبر 2024، تقدم شريف وأوشيش بطعون قانونية أمام المحكمة الدستورية الجزائرية، التي سيكون لديها عشرة أيام للرد على طعنهما. وقد ندد المرشحان علنًا بالهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، برئاسة محمد شرفي، متهمين إياها بالفشل في الحفاظ على نزاهة الانتخابات. وصرح شريف من جانبه بأن النتائج لم تعكس الإرادة الحقيقية للشعب، مؤكدًا: "نريد أن تعود إلينا أصواتنا - أصوات الأشخاص الذين صوتوا لنا". وكرر أوشيش هذه المواقف، مسلطًا الضوء على التناقضات بين النتائج المبلغ عنها وما تم إبلاغه إليهم من قبل وفود الانتخابات الإقليمية.
إن طعون المرشحين لا تشكك في عدد الأصوات فحسب، بل تشكك أيضًا في شرعية السلطة الانتخابية نفسها، التي تم إنشاؤها استجابة لمطالب بمزيد من الشفافية في أعقاب احتجاجات الحراك. وقد زعم المنتقدون أنه في حين كان المقصود من الهيئة الوطنية للانتخابات ضمان انتخابات نزيهة، فإن استقلاليتها لا تزال موضع شك، خاصة بعد نتائج الانتخابات الأخيرة التي يبدو أنها تصب في صالح الرئيس الحالي بأغلبية ساحقة.
إن التحدي القانوني الذي تقدم به مرشحو المعارضة يشكل أهمية بالغة في سياق الديناميكيات السياسية في الجزائر. فهو يشير إلى استياء متزايد بين شرائح واسعة من السكان، وخاصة بين الشباب، الذين يشعرون على نحو متزايد بالعزلة والتهميش من العملية السياسية. وقد لاحظ الناشطون والمراقبون أن نتائج الانتخابات، إلى جانب الأجواء القمعية المحيطة بالحملة الانتخابية، قد تؤدي إلى تفاقم مشاعر الحرمان من الحقوق بين الناخبين، وخاصة بين الشباب الجزائريين الذين يشكلون نسبة كبيرة من الناخبين.
وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن مرشحي المعارضة قد اتفقا في تحديهما لنتائج الانتخابات تشير إلى تحول محتمل في استراتيجية المعارضة. تاريخيا، كان المشهد السياسي في الجزائر تهيمن عليه ديكتاتورية الحزب الواحد ومجموعاته التابعة له، لكن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها شريف وأوشيشي تشير إلى استعدادهما للوحدة ضد الظلم الانتخابي المزعوم. وقد يمهد هذا الطريق لحركة معارضة أكثر تنظيما، وهو ما قد يتردد صداه مع المطالب الأوسع نطاقا بالإصلاحات الحقيقية التي عبر عنها المحتجون خلال احتجاجات الحراك في 2019.
وبينما تستعد المحكمة الدستورية لمراجعة الطعون التي رفعها شريف وأوشيش، فإن النتيجة قد تكون لها آثار بعيدة المدى على المستقبل السياسي للجزائر. إن الطعن في نتائج الانتخابات لا يسلط الضوء على الطبيعة المثيرة للجدل في العملية الانتخابية فحسب، بل ويؤكد أيضاً على الصراع الدائر من أجل الحكم الديمقراطي في بلد حيث يلوح نفوذ المؤسسة العسكرية في الأفق.
إن الوضع لا يزال متقلبا ومقلقا في الجزائر، وسوف تخضع استجابة الحكومة والسلطة الانتخابية للتدقيق عن كثب على المستويين المحلي والدولي. وبينما تشق الجزائر طريقها عبر هذه الأزمة السياسية، فإن تصرفات قادتها وردود أفعال مواطنيها سوف تشكل في نهاية المطاف مسار ديمقراطيتها وحكومتها في السنوات القادمة.