هشام بنوشن
بينما أطالع صحف اليوم لفت انتباهي مقال لأحد للصحفيين يدعى المختار الغزيوي، كان مليئا بالشوفينية والتعصب لوطنيته وكال السباب لكل من يتضامن مع ما يعرفه الشرق الأوسط، ووصف هؤلاء الناس بالأغبياء، وما هو عن الغباء ببعيد، ونسي أنه كان يتباكى على صعود اليمين في أوروبا وخاصة فرنسا التي يسبح بحمدها.
أن تتبنى "تمغرابيت" كما تراها أنت هذا حقك و لن يسلبك أحد هذا الحق، و لكن دعني أشرح لك بعض الأمور:
أولا: أوافقك تماما على أن الانتماء الوطني أمر بالغ الأهمية، فالوطن هو جزء من كياننا وهويتنا، وهو ما يربطنا ببعضنا البعض كأفراد داخل المجتمع الواحد. لكن أعتقد أن الوطنية لا يجب أن تأتي على حساب القيم الإنسانية الأوسع. فالإنسان، بطبيعته، يتجاوز حدود الجنسيات والأوطان، والإنسانية هي القاسم المشترك بين جميع الشعوب، بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو العرق.
ثانيا: الوطنية لا تعني الانغلاق على الذات
إن فكرة أن نصطف دائما مع الوطن ونغلق أعيننا على ما يجري خارجه، بحجة أن الآخر لا يعنينا، قد تكون قصيرة النظر. صحيح أننا مغاربة، وفخورون بذلك، لكن لا يمكن أن نعيش في معزل عن العالم. فالإنسانية تفرض علينا أن نتضامن مع المظلومين، وننتقد الظلم أينما وجد، سواء كان في بلدنا أو في أي مكان آخر. و الدفاع عن الحق والعدالة لا يتطلب منا أن نكون ضد وطننا، بل يتطلب أن نكون مع القيم الإنسانية أولا وأخيرا.
عندما نرى معاناة شعوب أخرى، أو نسمع عن انتهاكات لحقوق الإنسان في أماكن أخرى من العالم، هل يطلب منا أن نصمت بحجة أننا "مغاربة" فقط؟ هل تعني الوطنية أن نغلق قلوبنا أمام معاناة الآخرين؟ بالطبع لا. الوطنية الحقيقية لا تتعارض مع القيم الإنسانية؛ بل تعززها. فالإنسان هو إنسان قبل أن يكون مغربيا، وهذا ما يجمعنا جميعا ككائنات بشرية.
ثالثا: الوطنية ليست على حساب القيم الإنسانية
هناك ميل في بعض الأحيان لاعتبار أي تضامن مع قضية خارجية نوعا من "الاصطفاف مع الأجنبي". لكن هذه النظرة تبسط الأمور بشكل مختل. حين ندافع عن حقوق الإنسان أو نعارض الظلم في أي مكان، فإننا نصطف مع القيم الإنسانية، لا مع أجندات سياسية خارجية. والتضامن مع شعب مظلوم، أو الدعوة للعدالة في سياق عالمي، لا يعني بأي حال من الأحوال أننا نقلل من حبنا لوطننا. بل يعني أننا نؤمن بأن العدالة والحق قيم عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية.
و إذا أخذنا الإنسانية كأساس لمواقفنا، فإن الوطنية تصبح جزءا من إطار أكبر يضم جميع القيم التي تدفعنا نحو بناء عالم أكثر عدلا وسلاما. يجب أن تكون الوطنية متوافقة مع القيم الإنسانية العالمية، وليست متضاربة معها.
رابعا: الإنسانية هي القاسم المشترك
نحن مغاربة، نعم. ولكننا أيضا بشر، وهذا ما يجعلنا جزءا من مجتمع إنساني عالمي. و في كل مكان هناك شعوب تعاني وتطمح إلى حياة كريمة. إن تضامننا مع هذه الشعوب لا ينتقص من وطنيتنا، بل يبرز إنسانيتنا. و لا يجب أن نحصر أنفسنا داخل إطار وطني ضيق، بل يجب أن نرى العالم بعيون إنسانية. فالدفاع عن المظلومين أينما كانوا هو جزء من رسالتنا كإنسانية مشتركة.
في الختام، أود التأكيد على أنني لا أرفض الوطنية ولا أدعو إلى التخلي عنها. بل أرى أن الوطنية الحقيقية هي تلك التي تعترف بالقيم الإنسانية العالمية، وتتضامن مع كل من يعاني الظلم، بغض النظر عن جنسيته أو دينه أو عرقه. إن حب الوطن لا يعني أبدا إلغاء الحب والاحترام للبشرية جمعاء. الوطنية والإنسانية يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب، فلا تتناقض إحداهما مع الأخرى.