اسماعيل الحلوتي
يوما عن يوم يتأكد أن ليس هناك من نظام على وجه الأرض أسوأ من النظام العسكري الجزائري، الذي إضافة إلى غطرسته واستبداده، لا يبدع في شيء أكثر مما يبدع في قهر وتجويع الشعب الجزائري، واستفزاز المغرب ومعاكسته في وحدته الترابية والتحرش برموزه، إذ لا يسلم من حقده لا الأحياء ولا الأموات، عوض الاتجاه نحو ابتكار الحلول الملائمة للمشاكل والأزمات التي يتخبط فيها الجزائريون منذ عقود، كما يشهد بذلك تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، انتشار الطوابير أمام الأسواق والمحلات التجارية، واضطرار آلاف الشباب العاطلين إلى الفرار من "الجحيم" والارتماء في عرض البحر، بحثا عن لقمة عيش نظيفة في الضفة الأخرى بأوروبا...
فالمغرب الذي لم ينفك قائده الملك محمد السادس يطمئن حكام الجزائر ويبسط يده البيضاء لهم من أجل طي صفحة الخلافات والاتجاه سويا نحو المستقبل، يدرك جيدا أن ما يغيظهم أكثر هو ما بات يراكمه من انتصارات على عدة مستويات دبلوماسية وسياسية واقتصادية ورياضية وغيرها، ويدرك أيضا أن تفاقم حالة السعار التي أصابتهم ناجمة عن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا بمغربية الصحراء ودعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، لكنه لا يولي كبير اهتمام لما يقدمون عليه من رعونة وتصعيد التوترات ليس فقط في دعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية، بل أيضا لاحتضان حفنة أخرى من الخونة الخارجين عن القانون، والمفلسين فكريا وأخلاقيا وماديا من المحسوبين على منطقة الريف المغربي الشامخ، والترويج لجمهوريتهم الوهمية، في خطوة عدائية تكشف عن حجم الهزائم الدبلوماسية التي ما فتئوا يتجرعون مرارتها.
والأفظع من ذلك كله هو أنه لم يعد وحدهم الأحياء من تطالهم خساسة "الكابرانات"، بل حتى الأموات من المغاربة هم أيضا لم يسلموا منها، دون أدنى اعتبار واحترام لتعاليم الدين الحنيف، الذي يوصي بإكرام الميت من خلال التعجيل بدفنه. إذ خلافا لما قال سيد الخلق النبي الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره" حيث أن الأصل في دفن الميت هو التعجيل والمبادرة إلى ذلك، ما عدا إذا كان هناك مانع شرعي يدعو إلى تأخير عملية الدفن، كوجود شبهة قتل مثلا، مما يتطلب فحص الجثة والتأكد من حقيقة ذلك، أو انتظار حضور أهل الميت على ألا يطول الانتظار، فإنهم أبوا إلا أن يحتجزوا جثة الشاب عبد اللطيف أخريف لأزيد من أربعة شهور.
فمن يكون الفقيد عبد اللطيف أخريف؟ إنه بكل بساطة لاعب كرة قدم في صفوف نادي اتحاد طنجة، الذي قضى غرقا في حادث مأساوي خلال رحلة استجمام رفقة ثلاثة أصدقاء على متن قارب سياحي قبالة شاطئ مدينة المضيق شمال المغرب يوم 6 يوليوز 2024، حيث تم إنقاذ اثنين فيما اختفى أثره وزميل آخر له، ولم يتأت العثور على جثمان اللاعب أخريف إلا بعد مرور حوالي شهر على فقدانه، وذلك في يوم 8 غشت 2024 بعد انتشاله من سواحل مدينة وهران الجزائرية، التي جرفته إليها تيارات البحر، حسب ما أعلنت عنه بعض وسائل الإعلام الوطنية صباح يوم الجمعة 9 غشت 2024.
ومنذ ذلك الحين مازال زملاء الفقيد عبد اللطيف أخريف في النادي وأنصاره وعامة الشعب المغربي، ينتظرون بلهفة إفراج السلطات الجزائرية عن جثمانه والسماح بنقله إلى المغرب حتى يتم دفنه في مسقط رأسه. إذ رغم قيام القنصلية المغربية هناك في وهران بما يلزم من إجراءات إدارية تجاه المسؤولين الجزائريين قصد تسهيل عملية نقل جثمان الفقيد إلى المغرب، فإنهم للأسف الشديد لم يجشموا أنفسهم عناء الرد عن تلك المراسلات ولا حتى إصدار بلاغ بشأن العثور على جثمانه وموعد تسليمه للسلطات المغربية، مفضلين التمادي في التنطع والتعتيم على الموضوع، ضاربين عرض الحائط بكل القيم الإنسانية النبيلة.
فهل من المروءة في شيء أن يظل جثمان شاب في الرابعة والعشرين من عمره، شاءت الأقدار أن تجرفه أمواج البحر إلى السواحل الجزائرية، معتقلا هناك في مستودع الأموات بمدينة وهران لما يزيد عن أربعة شهور، دون أن تهتز شعرة واحدة في رؤوس أعضاء "العصابة" الحاكمة في قصر المرادية بالجزائر لصراخ والدته وهي تناشدهم الله في مصابها الجلل، عساهم يتكرمون بفك سراح جثته؟
إن النظام العسكري الجزائري بما يقدم عليه من ممارسات عدائية دنيئة تجاه المغرب والمغاربة، سواء عبر الاتهامات الباطلة بالتجسس أو إغراق بلادهم بالمخدرات، فضلا عن قتل شباب أبرياء في الحدود أو في عرض البحر، واحتضان الانفصاليين المفلسين، ثم احتجاز جثمان الشاب أخريف، إنما يؤكد دناءته وما سبق أن صرح به الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، حين قال "لم نكن ننتظر من العالم أن يثبت أو ينفي مغربية الصحراء، بقدر ما كنا نود أن يعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار، بعد أن انكشف كل واحد بقيمته الحقيقية وقيمته البشرية وقيمته السياسية..."