أنور المسعودي
يعرف المغربي البسيط و المغلوب على أمره نقصا حادا في الأخبار السعيدة و المفرحة , فعلى امتداد العقود الأخيرة , سمع و رأى و عاش ما يكفي من النكسات ذات الطابع الإجتماعي و الإقتصادي , تركت لديه رؤية سلبية للغاية فيما يخص واقع الحياة , و هذا النفس السلبي و المتشائم سبب له حساسية شديدة من عديد المصطلحات ذات المضمون الاقتصادي و التي تثير نقمته , "كالمخططات الخماسية" و "خطط التقويم الهيكلي " و ما إلى ذلك من تعابير أصابته ب"الشقيقة" في رأسه , و هو يقارن ما يسرده المسئولون المتعاقبون على الحكومات من "تدابير" لإصلاح أحوال عامة الشعب , وبين واقع حال يشي بان أحوال فئة قليلة من المحظوظين داخل هذا الوطن هي من استفادة , و ذلك لشطارتها في النصب على مقدرات و خيرات الشعب.
الغيوم الداكنة و التي تطبع سماء المغاربة منذ زمن , أبدا لم تنجر و راء تلك الحكاية التي تقول بكونها سحابة صيف عابرة , بل أصرت على المقام بين ظهرانينا إلى أجل غير مسمى , حتى غدت الأمراض النفسية رفيقة لأغلب الناس , لكل نصيبه منها , فالاكتئاب كما تقول الدراسات , يصيب نحو ثلث الساكنة في المغرب و ذلك بسبب ضغوطات الحياة اليومية و ما فيها من مشاكل أساسها الفقر و العوز و قلة فرص الشغل و إرتفاع فاتورة المعيشة و سيل من المشاكل الاخرى ,مشاكل عصفت بعقول الناس و جعلتهم في حالة تأمل على مدار اليوم لطبيعة مستقبلهم الموسومة بأكثر من علامة استفهام.
لكن المضحك وسط كل هذا أن أخبارا تأتي لتلعب على هذا الوتر الحساس و تختطف أذهان الناس لكوكب من الأحلام , بما أن الأرض باحث بأحد "أسرارها" و هو أن البلد ينام قرير العين على بحر من الغاز و البترول , ولتزيين الخبر بكثير من المعطيات لإضفاء صدقية أكثر عليه , أعطيت أرقام , و الجميل أن هاته الأعداد جاءتنا بأصفار كثيرة , ما يعني أن ثروة تقدر بملايير الأمتار المكعبة من الغاز وملايير براميل النفط تحتضنها بلادنا بين الأرض و البحر , لكن بيت القصيد هو أن استغلالها يتطلب التريث سنينا وعقودا , هنا يبدأ الحلم بالنزول من علياءه لمدرج الواقع , ما دامت القصة تحتاج لاستثمارات و مصاريف واتفاقات وتوافقات لا حصر لها , و قد تكون للعملية إن "صدقت" أضرار كبيرة على البيئة , خصوصا و أن شكل البترول في المغرب بطبيعة صخرية . لكن ما يهون القصة هي تلك الحادثة الشهيرة والتي افتتحت بها الألفية الجديدة " بترول تالسينت " سنة 2000 , و التي لم تعدو أن تكون سوى "مزحة " ثقيلة الظل و لربما والله أعلم , رفعت من نسبة الأمراض النفسية لفئة من الناس , لم يستصيغوا عدم صحة الخبر , بعد أن توهموا للحظات , بأن أيام الفقر قد ولت و أن مستقبلا وردي اللون في انتظارهم .
فالمغربي يعيش بين الفينة والأخرى لحظات من الوعود الكاذبة و التي لم يتحقق منها شيء , حتى كرة القدم أخذت نصيبها , بعد أن ظن الناس أن تنظيم كأس العالم هو مسألة وقت ليس إلا , خصوصا و أن التجييش الإعلامي لعب دوره بموازاة الإهتمام الرسمي "المبالغ فيه" و الذي جر بلادنا للمراهنة على حصان خاسر , صرفت على حملاته الملايير , بينما الملايين يعيشون تحت خط الفقر في بلدنا , كانوا أولى بهذا المال.
كم تمنيت لو أن الناس صموا آذانهم نحو هكذا أخبار , و ليلتفتوا لخيرات بلدهم الحقيقية , فلهذا الوطن أكثر من أربعين مليون فرصة استثمارية واعدة و مربحة , فكل مواطن هو مشروع بحد ذاته , بشرط أن يرد هذا الإنسان الاعتبار لنفسه , و أن يثق في ذاته دونما أي إحساس بالدونية , فلا سعادة دائمة ما دامت أغلبية الشعب تزدرى نفسها , و الأهم أن صوت المواطن البسيط يجب أن يسمع و ينتفض ضد كل أشكال الفساد حتى تذهب خيرات و مقدرات وطننا لمن يستحقها , أما قصة البترول و الغاز فحتى لو إفترضنا أنها تحققت , فلن تجلب سوى فرحة عابرة , ما دامت هاته المعادن محكومة بزوالها ذات يوم .