شيخ تطواني مكلوم يروي معاناته بعد فقدان أملاكه ويؤكد أمله في العدالة

مغاربة يطالبون بتدخل عاجل لوقف اعتداءات التلاميذ على رجال ونساء التعليم

الناصيري يبرئ نفسه من الاتجار في المخدرات ويعد بتفجير حقائق مدوية

جمعية حقوقية تلاحق مشجعاً من طنجة بتهمة التحريض ضد جماهير تطوان قبيل ديربي الشمال

خلال تكريمها في مهرجان وزان..سفيرة المغرب لدى الفاتيكان تعاتب المخرج هشام الجباري

لاعبو المنتخب الوطني يعلقون على عبور حاجز جنوب إفريقيا والتأهل إلى نصف النهائي

عولمة الجمال

عولمة الجمال

احيزون سميرة

الحديث عن موضوع الجمال جعلني أقف وقفة تأملية حائرة ،كيف سأتحدث عن هذا الموضوع الذي يندرج في السهل الممتنع، نظرا لكونه متداخل و عميق و يمكن مناقشته من أكثر من زاوية و مرجعية، وغالبا ما نجده من المواضيع الفلسفية الحاضرة بقوة. وقد كان الاهتمام به بالغا لدى اليونان عبر تاريخ الفلسفة، لكنه مع ذلك يظل منتسبا لمجال المعرفة النظرية و السلوك الأخلاقي أي أنه متعالي عما هو ملموس.

لكن الحديث هنا سيكون عن الجمال شكلا ، بالرغم من أني على إيمان تام بوقع الجمال الداخلي، و الروحي الموجود بسجية الإنسان و فطرته، و انعكاسه على الجمال الخارجي و ربما يجعله يطغى و يغطي رؤية و رأي من حولنا، لننتصر لقول ديفيد هيوم "الجمال ليس خاصية في ذات الأشياء بل في العقل الذي يتأملها".

الإنفلات من المعايير الثابثة و المحلية للجمال

لطالما كان الجمال محل إهتمام بنو البشر منذ سالف الأزمنة باختلاف الحضارات،الإنسانية المتعاقبة و المختلفة.

و الاهتمام بالشكل ليس وليد اللحظة أو العصر الحالي فقط، و إنما وجد منذ عصور غابرة، لكن بطرق و تقنيات متباينة،بالإعتماد على الطبيعة و عادات و تقاليد المجتمعات و الحضارات، كالحضارة اليونانية أو الرومانية ،المصرية القديمة و أيضا الصينية و الهندية القديمة، فكل واحدة منها كانت تعتمد على معايير معينة تعتبر مقياسا للجمال آنذاك ،كلون البشرة الفاتح مثلا و العيون الواسعة أو الكمال الجسدي و لون الشعر و شكل الشفاه و الجبهة ، و هذا طبعا دون إغفال الجانب الروحي في المسألة، و بالتالي كان هناك نمط معين للجمال بأوصاف محددة و ثابثة، يجب توفرها في المرأة المنتمية لإحدى الحضارات،و هو أيضا ما يمكن أن نلمسه في المجتمعات الصحراوية التي تعتبر السمنة رمزا للجمال ، حيث يتم إخضاع الفتيات لعملية التسمين منذ صغرهن.

عادة ما يتم تقسيم الشعوب إلى ثلاثة أقسام، حسب التنوع الجيني البيض "القوقاز " و الآسيويون "المغول" و السود "الزنوج"، و تتميز كل سلالة بمواصفات متفردة للوجه و العيون و الأنف و لون البشرة ، تجعل لنا القدرة على اكتشاف جنسية الشخص أمامنا بمجرد النظر إلى تقاسيم وجهه و ملامحه ... مما يحيلنا على مميزات للجمال محلية، تحمل طابع الخصوصية و الإنتماء.

لكن الإنفتاح الحاصل اليوم جعل أغلب الحضارات و الدول، تتخلى و تتنازل تدريجيا عن خصوصيتها فيما يرتبط بالجمال الخارجي، بفعل الصورة التي فرضتها وسائل الإعلام، في تسويق الشكل المراد تعميمه على كافة شعوب الأرض، و إعطاء نموذج موحد يجب الإنضباط له لنتحصل على ما يسمى بالجمال، و هو ما تم ترسيخه في لاوعي المرأة من خلال التصنيفات العالمية سواء في المسابقات أو غيرها، كأجمل وجه عربي و ملكة جمال البلد الفولاني، بالإضافة إلى المشاهير و النجوم العالميين، فيصبح الشغل الشاغل هو محاولة التشبه بهن، و هي في نفس الآن محاولة غير مباشرة لطمس معالم الوجوه و سلبها مميزاتها، في أفق إحداث قطيعة و محو للهوية، و بصمة الإنتماء التي تبدو على الملامح بارزة.

و نكون بذلك أمام عولمة الجمال ،و هو في نفس الوقت استثمار للصورة الفردية، فلن يظل هناك جمال مغربي أو مشرقي ولا أنف إفريقي أو جفون آسيوية ، و إنما سنسير وفق نمط محدد سلفا، في قالب مقوقع يحد من التميز و الإختلاف المتعارف عليه، و هو ما يعزز عدم الإعتراف بالتنوع البشري، و يخلق بشكل غير مباشر استنقاصا للذات و احتقارا لمن لا يشارك في هذا السباق ليحيلنا مباشرة على التجميل .

صناعة الجمال أم صناعة المستهلك

كما قلنا سابقا أن الإعلام ساهم بشكل كبير في خلق إنسان غير متقبل لشكله، و هو ما تم تتبيثه في ذهنه و نظرته و تعريفه لمفهوم الجمال ، مما وضع هذا المفهوم في إطار محدد يسعى الجميع للسير نحوه و الوصول إليه، و قد تم ابتداع مجموعة من الوسائل لهذا الغرض منها التجميل، و قد انقسم إلى تجميل بدون جراحة "الفيلر ، بوتوكس، خيوط الشد ...."

و أيضا تدخلات جراحية على مستوى الوجه كالأنف و الخدود مثلا، بالإضافة إلى الشفط و التكبير ناهيك عن الإبتسامة الهوليودية، أو ما يصطلح عليه ب"هوليود سمايل " التي أصبحت تحت الطلب.

طبعا في بداية ظهور الجراحة التجميلية كان يشوبها نوع من التحفظ، بل و عدم التقبل و كانت مرتبطة بالنجوم و المشاهير و علية القوم فقط ، لكن سرعان ما انتقلت العدوى للعامة و أصبحت متوفرة بشكل كبير، و تمسها تخفيضات و طرائق متعددة للتسويق، و يساهم في الإعلان عنها المشاهيرو مؤثري السوشال ميديا، فأصبحنا نرى كائنات تتشابه و قوام ممشوق وخدود مرتفعة و شفاه ممتلئة و أسنان بيضاء ،السؤال المطروح من قال لنا أن هذه المواصفات هي المعايير الحقيقية للجمال؟

و هذا ما يحيلنا على التخمين المتمثل في الاستثمار تحت مسمى الجمال، استثمار يدر أموالا طائلة على أصحاب الشركات المصنعة لمواد التجميل، بالإضافة إلى انعاش مراكز التجميل و إنشاء عيادات في هذا المجال، بحيث تصبح المتاجرة بمفهوم الجمال وجها آخر للربح، بل ويتم تمييعه و خلق هوة كبيرة بين مطلب الجمال و الذات الإنسانية .

لنتساءل هل يعد هذا الاهتمام بالمفهوم منطلق من حبنا لذواتنا، و إدراكنا لقيمة أجسادنا و هذا طبعا أمر جد إيجابي و صحي ، أم أنه لا يعدو أن يكون استهدافا لنا كمستهلكين فقط ؟ لنتجاوز بذلك الاستهلاك المتعارف عليه في الأكل و التبضع ...

الجمال بين التقبل و الهوس

دعونا نتفق أن الإحساس بالجمال ينعكس إيجابا على المستوى النفسي و الاجتماعي للشخص عامة، و قد يمنحه ثقة كبيرة و إرتياح أكبر، كما يبعث شغف الإقبال على الحياة و حبها برضى تام و إيجابية.

 فزرع ثقافة الجمال ليس عيبا أو شيئا سلبيا أبدا، و لا بغريب عن مجتمعاتنا أو ديننا و يأتي قول الرسول صلى الله عليه و سلم في نفس السياق " إن الله جميل يحب الجمال" ، لكن غالبا ما يتم إلقاء اللوم و العتاب، على الأشخاص الذين يسعون إلى الجمال بكل الطرق و الوسائل، فيتم وصفهم بأنهم أشخاص غير راضون بخلقة الخالق، و يطمحون لتغييرها و هنا يقع تضارب كبير للآراء و الأفكارو المعتقدات .

لكن الإشكال عندما يتحول الأمر إلى هوس ، هوس المثالية و الكمال و الخلو من عيوب الجسد و البشرة، وهوس المقارنة الغير منطقية، و هو ما يمكن اعتباره اضطرابا نفسيا.

فيصبح الامر اشبه بصراع داخلي ، و كلما ازداد الإعجاب و التتبع لصور النجوم و المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام عامة، كلما أصبح الإنسان أقل تقديرا لذاته و يرى نفسه أقل قيمة و جمالا، و هو ما يخلق أفكارا سلبية عن مظهره و شكله، وينتج مشاعر قلق قد تعزز من ظهور علامات الإكتئاب.

و بالتالي يجب خلق نوع من الموازنة و الإعتدال الداخلي، للرفع من درجات التقبل و التصالح مع الذات و هذا دور المحيط الأسري أولا و الوسط المدرسي و مسؤولية الإعلام أيضا، حيث ترتفع درجات التقبل لدى الشخص، ليس بالضرورة تقبل الأشياء الإيجابية و الجميلة بل أيضا الصفات الأقل جمالا و روعة ،و هذا بحد ذاته تربية و مبادئ يجب غرسها، لأن الجمال يعد مفهوما إجتماعيا بني على أفكار و تمتلات تم الاتفاق عليها، بحيث يتم ترسيخها تلقائيا بالنظر للمكانة الهامة التي يوليها المجتمع الآن للشكل و المظهر الخارجي .

إن الجمال لم يكن يوما مفهوما واحدا، فكيف له أن يكون شكلا أو نموذجا واحدا،و لا توجد وحدة قياس خاصة به لأنه خاضع للذوق و مرتبط بالغريزة و العاطفة و الشعور الإيجابي ، الجمال في التميز فهو كالبصمة و علامة خاصة بكل شخص و بكل ثقافة و انتماء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة