يوسف أريدال
الجدل الدائر هذه الأيام حول توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل ملف حقوق الإنسان في الجنوب المغربي، النقاش الذي أعاد الحياة في بعض الأحزاب المغربية والساسة بعدما غابوا عن الساحة لمدة طويلة، ودبت في أجسامهم الديدان معلنة موتهم السياسي المحتوم، بُعثوا من جديد أمام الكاميرات منتصبين ومنددين بالاقتراح الأمريكي وتجديد تمسكهم بثوابت البلد، والوقوف صفا واحدا في معركة الوطن المصيرية وعدم التفريط في حبة واحدة من رمال الصحراء المغربية.
مشاهد اللغط والتنديد التي تابعناها على كل وسائل الإعلام المغربية، وحجم التهويل من الحدث، الذي بثه ساستنا من خلال غزواتهم المظفرة على قنوات القطب العمومي، أيقظُ فِيَ سؤال لطالما استفزني طوال سنوات، هل فعلا السياسيون المغاربة يخافون عن بلدنا إلى هذه الدرجة ؟ !
سؤال يقض‘ مضجعي في كل مرة، أشاهد التحالف الهجين للأحزاب المغربية لاستنكار موقف دولة ما أو حزب سياسي غربي ما، وتسابقهم إلى تحرير بيانات تنديدية وعقد لقاءات وبرامج تلفزيونية يحضرها جميع الفصائل من شتى التلاوين وتتماهى الاختلافات الإيديولوجية، ويتوحدوا في مسيرات "مليونية" توضع رهن إشارتها جل الوسائل اللوجيستيكية، ووقفات أمام القنصليات والسفارات بالخارج والداخل .
فأين أنتم من عشرات الآلاف من المغاربة الذين نقدمهم قربانا لآلهة البحر المتوسط ،الذين يفرون من الوطن الذي "تناضلون" من أجله، هربا من ذل الفقر والعطالة ؟ !
أين أنتم من جحافل المغربيات الذي يَهَبُونَ أجسادهن وكرامتهن إلى الوحوش تنهشها من أجل لقمة العيش التي تعيل عائلات مغربية ؟ !
أين أنتم من كيان الباطرونا الغاصب الذي يمتص دماء العمال طيلة الشهر مقابل دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع ؟ !
أين تحالفكم المبجل من توسيع صلاحيات الأمن المغربي لتشمل الحرم الجامعي قتلا واعتقالات ومحاكمات صورية ؟ !
أين أنتم من سياسة القمع والتعذيب تجاه الأطر العليا المعطلة في ربوع البلد ؟ !
أين أنتم من تقارير الفساد الصادرة عن المنظمات الدولية والمجلس الأعلى للحسابات والجمعيات الحقوقية والجرائد ؟ !
أين أنتم من سياسة التخريب الممنهج في السياسات التعليمية والتربوية ؟ !
إن كان ولا بد أن نقيم الدنيا ولا نقعدها ضد تدخل أمريكا في شؤوننا الداخلية، فهذا واجب وطني لازم أن يدافع عنه كل مغربي، حتى وإن طلب منا أرواحنا، لكن ومن الواجب والملح كذلك إيجاد الحلول الحقيقية حول مشاكل البلد وصياغة مشروع مجتمعي يشارك فيه كل الفعاليات والأطياف، لنخرج البلد من النفق المظلم الذي نمشي فيه، ونقطع مع موهبة السياسيين المفضلة في صناعة الوهم للشعب المغربي .