رشيد أخريبيش
بعد قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المتعلق بتوقيف إمام وخطيب مسجد بفاس على خلفية انتقاده لموازين ، وبعد سلسلة اعتقالات لكل من يقف في طريق هذا المهرجان نقول وبكل سرور نعم لموازين ، نعم لهذا المهرجان إذا كان هذا الأخير سيؤدي بكل من يعارضه إلى غياهب السجون ، نعم لمهرجان العري إذا كان سيجر بكل منتقديه إلى الهلاك .
كان من الممكن لهذا الإمام أن يصفق بكل حرارة لهذا المهرجان ، وأن يدعو الناس إلى الاعتقاد أنه من الدين وأن يدع من الانتقاد كل ما يمكن أن يؤدي به إلى "الصداع" فلو فعل الإمام هذا لربما أبعد عنه شر وزارة الأوقاف التي لم نعد نعرف هل هي في خدمة الدين أم تسخر الدين لخدمة المهرجانات والسهرات ؟
لمجرد رأي في مهرجان العري والعار قد يؤدي بصاحبه إلى مالا تحمد عقباه ، ولمجرد التفكير في الانتقاد فأنت متشدد مثير للفتن ، حيث لا يمكنك الحديث بما يمكن أن تعتبره وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سوءا ، ولو كان ذلك يهم المغاربة ، لأنه لا صوت يعلو على صوت وزارة الأوقاف التي تحولت من جهاز ينظم الحقل الديني ويدافع عنه ، إلى جهاز يسعى بكل ما أوتي من قوة للتصدي للدين وهذا هو الواقع وإن كان سيقلق من هم على رأس وزارة الأوقاف .
هنالابد لنا من طرح سؤال جوهري أمامه علامة استفهام ضخمة هل أصبحت لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية غيرة على مهرجانات العري أكبر من الغيرة على الدين الإسلامي ، فكيف تتجرأ على إصدار قرارات بالتوقيف في حق كل من لديه رأي في موازين وفي المقابل لا نسمعها تحرك ساكنا اتجاه من يسبون الدين عبر المباشر ؟
كنا ننتظر من وزارة الأوقاف التي حملت على عاتقها أمانة تنظيم الحقل الديني والحفاظ عليه أن تصدر موقفها من هذا المهرجان الذي ينخر أموال الشعب ظلما وعدوانا والذي يحاول إفساد المغاربة عبر نافذة العري التي أصبحت الشعار الخالد لهذا المهرجان.
وزارتنا الغراء لم تحركها أصوات الفقراء من الشعب المظلومين ممن يقتاتون على النفايات وممن لا يجدون ما يسدون به رمقهم ، ولا تحركها صور الأطفال والنساء والشيوخ الذين يجوبون الشوارع يتوسلون في المارة علهم يعطونهم ما يمكنهم من شراء رغيف خبز يمكنهم من البقاء "أمواتا" على وجه البسيطة ، ولا تحركها أموال المغاربة التي يتم تقديمها إلى المشاهير على طبق من ذهب دون أي وجه حق ، كل هذا لم يحرك في وزارتنا الرشيدة ولو شعرة واحدة ، بل القضية الأولى التي جعلتها تنتفض هي هذا المهرجان ، حيث أصبحت وكأنها المتحدث بلسان موازين وليس بلسان المغاربة ممن يفتخرون بدينهم وهويتهم الإسلامية والذين يرفضون أن يتم المساس بها من أي جهة كيفما كانت .
حزب العدالة والتنمية الإسلاموي بدوره لم يعد ذلك الحزب الذي يحمل شعارات ضد الفساد والمفسدين كما كان يدعي في السابق ، خاصة إذا ما قارنا مواقف الحزب في المعارضة ومواقفه بعد وصوله إلى سدة الحكومة ، من منالا يتذكر سعادة الوزيرة بسيمة الحقاوي عندما صرخت بأعلى صوتها في البرلمان معلنة عن صرخة الشعب المغربي من أجل إلغاء موازين الذي تهدر فيه الملايير على حد قول الوزيرة المحترمة ، بل من منا لا يستحضر كل تلك الشعارات التي حملها إخوان العدالة والتنمية ضد مهرجان العري والعار ،كيف تحول موازين من مهزلة تنخر أموال الشعب في نظر العدالة والتنمية عندما كان في المعارضة وحلالا طيبا مباركا الآن بعد أن وصلوا إلى الحكومة ، حيث لم يعد يكفي هؤلاء أنهم انقلبوا رأسا على عقب ، بل وصلوا إلى حد أصبحوا فيه شركاء في تكميم الأفواه لكل من سولت له نفسه أن ينتقد .
يبدو من خلال الواقائع والأحداث أن وزراء العدالة والتنمية ممن كانوا ينتقدون موازين ويحرمونه عندما كانوا في المعارضة أصبحوا لا يستطيعون أن يتحدثوا ولو بكلمة واحدة ضد هذا المهرجان ما يعني أنهم ذاقوا حلاوة الكرسي ، ولم يعد يهمهم من الأمر شيئا ، فلم نسمع من الزعيمة بسيمة الحقاوي ولو كلاما ينتقد مهرجان موازين ، ولم نسمع عن كلام منها عن جيسي التي خرجت على المغاربة عارية في تحد صارخ لمشاعر الشعب المغربي بأكمله ، خاصة وأن للوزيرة مسار طويل في انتقاد موازين ومشاهيره ، والدليل من قبة البرلمان عندما وصفت المغنية شاكيرا بالساقطة .
أما علماء الدين ممن نعول عليهم والذين غالبا ما يخرجون علينا بتصريحات مثيرة للجدل تستبيح وتكفر وبفتاوى غريبة ما أنزل الله بها من سلطان فلا تكاد تسمع لهم صوتا ، أما كبيرهم الريسوني فلم يعد له حديث سوى عن الأمازيغية التي كان لها دائما بالمرصاد حيث سخر كل ما يملك من قوة للهجوم عليها دون أن يتحدث ولو بشكل محتشم عن هذا المهرجان الذي يروج للفساد والمفسدين ، بل ربما العري والفساد أهون عند الشيخ من الخطر الأمازيغي الذي يحذر منه مرارا وتكرارا.
إذن بعد أن تخاذل العلماء عن القيام بدورهم ، وبعد أن تراجعت الأحزاب عن دورها في الدفاع عن أبناء هذا الشعب ممن يعانون مرارة سياسات لا تراعي إلا ولا ذمة فلا يسعنا إلا أن نلتزم الصمت ، ونقول نعم لموازين العري والعار لأن كلمة لا يجب ألا تكون حاضرة في قاموس التعامل مع الحكومة ، فنحن الآن بعد كل هذا بين خيارين لا ثالث لهما إما أن نقول نعم كرها لكل ما يصدر عن الحكومة وإما أن نختار الخيار الثاني الذي يعارض مواقف الحكومة ثم الاستعداد لمواجهة الأسوأ ، كما هو الحال مع هذا الخطيب وثلة ممن كان لديهم رأي في مهرجان العري والعار.