عبد الغفور العلام
تعتبر عملية تنظيم امتحانات البكالوريا استحقاقا تربويا مهما و محطة مفصلية من محطات تقويم تعلمات نهاية السلك الثانوي التأهيلي، على اعتبار أنها تمكن التلميذات والتلاميذ من شهادة تربوية ذات موثوقية ومصداقية، تخول لهم الانتساب إلى الأسلاك الجامعية أو إلى مؤسسات التعليم العالي المتخصصة، وبالتالي تمنحهم فرصة تحقيق مشروعهم الشخصي و رسم مسارهم المستقبلي.
أكيد أن السلطات التربوية نهجت مقاربة جديدة في تنظيم امتحانات البكالوريا لهذه السنة، من خلال اتخاذها مجموعة من القرارات والإجراءات التنظيمية المهمة ، تهدف من وراءها إلى ترسيخ مبدئي النزاهة والتنافس الشريف ، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المترشحات والمترشحين، وكذا تحصين مصداقية شهادة البكالوريا الوطنية.
غير أن هذه الإجراءات التنظيمية المعتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية، اصطدمت عند تنزيلها ببعض الصعوبات و الإكراهات، مما جعل مجموعة من الأسئلة الآنية و المستعجلة تطفو على السطح:
* هل النظام الحالي لامتحانات البكالوريا استنفذ كل أغراضه؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما هي ملامح النظام البديل، في ظل التحولات المتسارعة التي تعرفها بلادنا مند بداية الألفية الثالثة (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا..) والتي لها تأثير مباشر- ولا شك - على مستقبل ومآل المنظومة التربوية؟
* ما هي المقاربة المثلى للتصدي لظاهرة الغش ( المقاربة الشمولية أم المقاربة التربوية أم المقاربة القانونية الصرفة ، أم جميعها معا ) وما نوع الإجراءات الإستباقية لمحاربة الغش التكنولوجي الذي برز في الآونة الأخيرة ؟
* كيف سيتم مستقبلا تنظيم وتقنين مشاركة المترشحين الأحرار باعتبارهم نقطة الضعف الأساسية في عملية تنظيم امتحانات البكالوريا 2013؟
إننا في هذه الورقة الوجيزة لا ندعي امتلاك الإجابة الوافية على هذه التساؤلات الإستراتيجية ، بقدر ما سنحاول تسليط الضوء على بعض الجوانب التي ميزت إجراء امتحانات البكالوريا لهذا الموسم الدراسي، ومن خلالها تقديم بعض الأفكار والاقتراحات لتحسين وتجويد عملية تنظيم امتحانات البكالوريا مستقبلا.
1 – مستجدات امتحانات البكالوريا 2013
إجراءات مسطرية وتنظيمية جديدة:
عرفت عملية تنظيم امتحانات البكالوريا لهذا الموسم مجموعة من المستجدات سواء على مستوى المساطر المعدلة أو المضافة، أو على مستوى التنظيم والإجراء، أو على مستوى الإعداد المادي والتنظيمي للامتحان.
ففي هذا الإطار، تمت مراجعة دفتر المساطر المتعلق بتنظيم الامتحان، و إعداد مشروع قانون متعلق بزجر الغش في الامتحانات والمباريات العمومية. زيادة على كتابة وثيقة شهادة البكالوريا باللغات الثلاث ( اللغة العربية ،اللغة الأمازيغية ،اللغة الفرنسية). وكذا تعديل مواقيت إجراء الاختبارات عن طريق تمديد الفترة الفاصلة بين نهاية حصة الاختبارات الصباحية والحصة المسائية.
أما بخصوص المساطر المعدلة أو المضافة، فقد تم تخفيف الضغط عن لجن فتح أظرفة الامتحان وتسهيل مهامها، من خلال الحرص على ضمان إيصال وثيقة الموضوع كاملة للمترشح وفي الوقت المحدد لبداية الاختبار. كما تم توزيع المترشحين في مراكز الإمتحان على أساس 20 مترشحا في كل قاعة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تحديد مهام مختلف المتدخلين في عملية الإمتحان (الأستاذ المداوم، الملاحظ... ) وكذا ضبط هوية كل المتدخلين في مركز الامتحان من خلال حمل الشارة « Badge » وحصر المسموح لهم باستعمال الهواتف النقالة أو أية واسطة إلكترونية أخرى داخل مركز الامتحان( رئيس مركز الامتحان والملاحظ).
الإعداد والتحضير المادي للامتحان:
وفي هذا الصدد، و استنادا إلى إحصائيات وزارة التربية الوطنية، فقد بلغ عدد المترشحين لامتحانات البكالوريا برسم الدورة العادية للموسم الدراسي الحالي 778 484 مترشحا ، بزيادة 8 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، كما وصل عدد المترشحات 083 215 مترشحة أي ما يمثل44.37 في المائة من مجموع المترشحين. فيما بلغ عدد المترشحين الأحرار 158435 مترشحا أي ما يمثل 32.7 بالمائة من المجموع .
وقد استلزم التحضير المادي والتنظيمي للامتحان تعبئة موارد مادية وبشرية و لوجستيكية مهمة عبر توفير 1600 مركز امتحان و26 ألف قاعة و تعبئة 70 ألف مكلفا بالحراسة، وإحداث 29 لجنة مكلفة بإعداد مواضيع الامتحان، و1600 ملاحظ لمراقبة سير الاختبارات بمختلف مراكز الامتحان.
كما تميزت امتحانات البكالوريا لهذه السنة بالمساهمة الإيجابية لمجموعة من المتدخلين في عملية تنظيم امتحانات البكالوريا عبر المشاركة الفعالة لمختلف الأطر الإدارية ( رؤساء مراكز الامتحان، أعضاء كتابة امتحان والأطر الإدارية المساعدة) وكذا أطر المراقبة ( الملاحظون والمراقبون الوطنيون والجهويون) بالإضافة إلى الأطر التربوية المكلفة بالمراقبة في قاعات الامتحان.
زيادة على ذلك، فقد ساهمت السلطات العمومية (الأمن الوطني والدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة) في إنجاح هذا الاستحقاق التربوي من خلال حرصها على تأمين مسار أظرفة الامتحان و ضمان أمن وسلامة مراكز الامتحان .
حملة تواصلية مكثفة و مواكبة وتتبع إعلامي لافت:
أصدرت السلطات التربوية 13 بلاغا صحفيا خلال الدورة العادية لإمتحانات البكالوريا 2013، سعت من خلالها إلى التواصل مع الرأي العام الوطني والتربوي وتزويده أولا بأول بمختلف المستجدات المتعلقة بجميع مراحل عملية تنظيم امتحانات البكالوريا (الإعداد للامتحان، إجراء الامتحان، عملية التصحيح، الإعلان عن النتائج...).
كما تميزت الدورة العادية لإمتحانات البكالوريا لهذه السنة بمواكبة وتتبع إعلامي لافت للنظر، عبر سيل من المقالات الصحفية نشرتها مختلف وسائل الإعلام المكتوبة و المرئية و الإلكترونية. منها من أشاد بالإجراءات الجديدة المعتمدة من طرف السلطات التربوية في عملية تدبير امتحانات البكالوريا ، ومنها من انتقد بشدة طريقة الوزارة الوصية في تنظيم هذه الامتحانات، حيث كانت الإجراءات المتخذة للتصدي لظاهرة الغش، هي النقطة التي أسالت الكثير من المداد، وخصوصا تلك المتعلقة بالمتابعة القضائية للمتلبسين بالغش في البكالوريا.
2 - نقط الضعف الأساسية
فرغم المجهوذات المهمة المبذولة من طرف السلطات التربوية في عملية تنظيم امتحانات البكالوريا 2013، فإن هذا الاستحقاق لم يخلو من بعض الظواهر السلبية، تمثلت بالأساس في ظاهرة الغش الإلكتروني، وفي حالات الاعتداء على بعض الأطر المكلفة بالحراسة، وكذا في إشكالية غياب وعدم انضباط المترشحين الأحرار.
وفي هذا الصدد، فبالرغم من الإجراءات الصارمة التي اعتمدتها الوزارة الوصية لزجر الغش، فقد تم ضبط 1965 حالة غش خلال إجراء الامتحان أغلبها تمت بواسطة الهاتف النقال، كما تم ضبط
حالات الغش خلال عملية التصحيح من خلال مقارنة إجابات بعض المترشحين مع الإجابات التي تم رصدها في شبكة التواصل الاجتماعي "فايسبوك".
كما تم تسجيل كذلك حالات اعتداء على بعض الأطر المكلفة بالحراسة، إما في قاعات الامتحان أو خارج المؤسسات التعليمية، عبر التهديد والوعيد والسب والشتم من طرف بعض المترشحين. وقد تطور أسلوب الاعتداء في بعض الحالات إلى الاعتداء الجسدي على الأساتذة المكلفين بالحراسة.
زيادة على ذلك ، فإن ارتفاع نسبة غياب المترشحين الأحرار (حضور 77509 من المترشحين الأحرار من أصل 154134 مترشحة ومترشحا ، أي ما يمثل 51 في المائة) وضعف انضباط بعضهم ( تم تسجيل أعلى حالات الغش لدى المترشحين الأحرار ) كان له تأثير سلبي على الأجواء التي مرت فيها الامتحانات، وتسبب كذلك في ارتفاع نسب الهدر المادي والبشري، وبالتالي ارتفاع كلفة تنظيم هذه الامتحانات.
3- اقتراحات لتحسين عملية تنظيم امتحانات البكالوريا
لتجاوز التعثرات والصعوبات المسجلة، نورد بعض الاقتراحات لتحسين وتجويد عملية تنظيم امتحانات البكالوريا مستقبلا والتي يمكن إيجازها فيما يلي :
* ضرورة العمل على مراجعة هندسة النظام الحالي لامتحانات البكالوريا من خلال الرجوع إلى النظام القديم للبكالوريا ( نظام الدورة الواحدة) والتخلي بالتالي عن الامتحان الجهوي.
* توسيع استخدام التكنولوجيات الحديثة والمتطورة في تنظيم امتحان البكالوريا (استنساخ و نقل و حفظ المواضيع، تأمين مراكز الامتحان...)
* نهج مقاربة متعدد الأبعاد والمستويات لمحاربة ظاهرة الغش قصد معالجة الظاهرة في شموليتها تستحضر الجوانب التربوية و الإجتماعية والقانونية...
* العمل على اتخاذ المزيد من الإجراءات الإستباقية للتصدي لظاهرة الغش من خلال تكثيف الحملات التحسيسية لفائدة التلميذات و التلاميذ طيلة السنة الدراسية .
* الاستعانة بالكاميرات الرقمية لمراقبة و ضبط حالات الغش داخل قاعات الامتحان. زيادة على ضرورة استعمال أجهزة التشويش على الهواتف ومختلف الأجهزة الإلكترونية.
* تنظيم وتقنين مشاركة المترشحين الأحرار في امتحانات البكالوريا من خلال فرض رسوم خاصة أو حصر عدد الدورات المسموح بها، لتفادي الهدر المادي والبشري المترتب عن ضعف نسبة حضور المترشحين الأحرار.
انس عتاب
الباك
لالهم فرحهم