رشيد أخريبيش
صراحة لا يسعنا إلا أن نعتذر للعالم بأكمله خصوصا للذين كانوا يرون في ثوراتنا بداية استيقاظ الشعوب من سباتها العميق خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية وتحرير الشعوب بعد أن فشلت في السير نحو تثبيت الديمقراطية التي كانت تبحث عنها منذ قرون.
ثورات الربيع الديمقراطي التي انطلقت في العديد من الدول العربية وفي دول المغرب الكبير تحولت إلى ثورات الخريف المأساوي وأشعلت نار الفتنة بين الإخوة الذين كان همهم الوحيد إسقاط الأنظمة الديكتاتورية ، التي جثمت على صدور الشعوب لعقود لتتحول فجأة بعد إسقاط هذه الأنظمة إلى حروب طاحنة تحصد اليابس والأخضر والدليل أمامنا من مصر الأبية التي تعيش أزمة سياسية بامتياز اختلط فيها الحابل بالنابل ، ومن تونس صاحبة أفضل ثورة على الإطلاق التي أبانت عن وعي التونسيين وعن طريقتهم الحضارية في إسقاط النظام الديكتاتوري مرورا بليبيا التي لم تعرف استقرارا إلى حدود الآن ثم اليمن وسوريا التي تعرف حربا أهلية تنذر بكارثة إنسانية في أقرب الآجال.
ربما الشعوب العربية والإسلامية التي قامت بالثورة ضد الحكام وضد الفساد والظلم لم تكن واعية بشكل كبير بمرحلة ما بعد الثورة ، فالمهم ليس هو إزالة النظام ورموزه ، بل المهم هو محاولة إدارة مرحلة ما بعد الثورة التي ربما تكون أصعب من مرحلة إسقاط النظام الحاكم لأن هذه الثورات كان بطلهارجل الشارع ،أو المواطن بشكل عام باعتباره فردا من عامة الشعب وليس المناضل المتحزب أو الثوري المؤطر كما تعودنا عليه في تاريخ الثورات الإنسانية لذلك فالشعوب التي أظهرت قدرتها على التحرك والمطالبة وزحزحة الأوضاع السياسية الراكدة في زمن ساد فيه الاعتقاد أن التغيير في الدول العربية ودول المغرب الكبير أصبح من السبع المستحيلات ،لم تستطع الخروج من هذه الثورات بورقة رابحة تبين مدى انتصارها في النهاية ، فلا يكفي أن تقوم الشعوب بالثورات ولا يكفي أن تسقط أنظمة ديكتاتورية بالشكل الذي شاهدناه ، بل لا بد وأن يتبع هذه التضحية وهذا النضال فعل حضاري هو الاحتكام إلى الديمقراطية وعدم السقوط فيما يمكن أن يؤدي إلى انحراف الثورات عن طريقها الصحيح.
إن ما تشهده الساحة الآن من اقتتال داخلي ومن وحالة المخاض العسير الذي تعيشه دول ما يسمى بالربيع الديمقراطي هو عربون تأكيد على أن هذه الشعوب فشلت فشلا ذريعا في الانتقال بالثورة إلى الأمان بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على انطلاق شرارتها ، حيث كان من المنتظر أن نرى نعمة هذه الثورات ظاهرة على شعوب المنطقة التي ضحت بالغالي والنفيس من أجل معانقة الحرية والكرامة ، وليس العودة بالثورة إلى الوراء وإجهاض كل ما قد تحقق أثناء قيامها .
مصر الثورة التي صنعها المصريون بدم أبنائها دون التفرقة بين اللون أو الدين أو العرق تعيش الآن مرحلة أخطر بعد شدة الاحتقان الذي يعيشه الشارع المصري بين المؤيدين للرئيس ومعارضين يطالبونه بالرحيل ويدعون لثورة جديدة تسعى إلى إسقاط رموز الإخوان الذين يتحكمون في البلاد والعباد ، خاصة بعد أن طالبت دول خليجية وغربية إجلاء رعاياها والتحذير من السفر إلى مصر خوفا من أن تتطور الأوضاع إلى ماهو أسوأ.
ماذا يعني أن تقوم دول في خطوات استباقية لإجلاء رعاياها من مصر الثورة ؟ وماذا يعني أن تحذر هذه الدول من السفر إلى مصر ؟ وماذا يعني أن يصرح الرئيس المصري أنه يرفض رفضا باتا انتخابات مبكرة التي تدعو إليها المعارضة ؟ كل هذا مؤشرات على أن مصر في مفترق الطرق وأن الثورة التي راهن عليها المصريون قد أصبحت في خبر كان.
لم يفشل الربيع الديمقراطي في مصر فحسب ، بل فشل أيضا في كل من تونس التي تعرف صراعا محتدما بين أبناء الوطن الواحد وفي ليبيا التي مازالت تعيش فراغا سياسيا منذ مقتل الديكتاتور معمر القذافي ، حيث الساحة مفتوحة للميليشيات المسلحة المتصارعة التي ترفض الاحتكام إلى الديمقراطية ، كذلك هو الشأن في اليمن السعيد الذي عاد فيه الشعب إلى الشارع وهتف بإسقاط النظام الجديد ضاربا بصناديق الإقتراع بعرض الحائط وبقوانين اللعبة السياسية في البلاد لينضاف بذلك إلى قائمة الدول التي فشلت في إنجاح ثوراتها الديمقراطية .
ثورات الربيع الديمقراطي فشلت في أول الطريق لأن شعوبنا التي قامت بها لم تصل بعد إلى الوعي الذي يجعلها تحافظ على مكتسبات الثورة والسير بها في الإتجاه الصحيح ، فالشعوب لم تفهم معنى الديمقراطية ولم تفهم بالذات صناديق الإقتراع التي يتم الاحتكام إليها فالشارع أصبح الوجهة المفضلة للشعوب التي يتم اللجوء إليها كلما ضاقت بها الدنيا دون النظر إلى أن ذلك سيؤدي حتما إلى إجهاض الثورة وتحطيم كل المكتسبات .
إذن التصارع والاقتتال الذي هو سيد الموقف الآن والنعرات الطائفية التي تظهر بشكل غير مسبوق في دول الربيع الديمقراطي كلها مؤشرات على أننا لسنا أهلا للثورة وأننا يجب الإعتراف بأن ما كنا نطبل له هو مجرد شبح في شكل ثورة بعيد كل البعد عن الثورة الحقيقية لأن الاعتراف ولو كان متأخرا هو السبيل الوحيد لاستعادة الوعي والرؤية والبحث عن مخارج آمنة بأقل الخسائر