يوسف الإدريسي
لعلّ المنحى الذي تتجه فيه ممارسات الإطارات النقابية الفوسفاطية والمتّسم بالانزوائية والتبعية الحزبية، أدى بالعمل النقابي إلى الانزياح عن المسار الصحيح ممّا جعل الشغيلة الفوسفاطية تدخل في دوامة اليأس والإحباط وفقدان الثقة في التنظيمات العاملة في الحقل النقابي، إذ أضحى الفاعل النقابي الفوسفاطي يقوم بدور سياسي أكثر منه نقابي بل أكثر من ذلك، يتحول في غفلة من الغفلات إلى بوق دعائي منضبط بإيقاعات الدعاية السياسية الحزبية. هذا إذا استحضرنا إرسابات العمل النقابي وتمظهرات الأزمة الأخلاقية النقابية للإحاطة بجوهر الإشكال واستقراء الفعل النقابي في ضوء التحديات الراهنة وسياقات التصورات النقابية والمرجعيات الثقافية السائد.
هكذا، إذا رجعنا إلى ماضي العمل النقابي الفوسفاطي القريب، لم يكن الفاعل النقابي يجد بُدّا أمامه لفرض احترامه وتقديره وتحسين ظروفه المهنية من الإنخراط المسؤول في المؤسسات النقابية إيمانا منه بضرورة الأداة لتحقيق الذات أمام التعسفات والممارسات البيروقراطية الظالمة. ونتيجة لذلك امتلأت المقرّات النقابية بالمناضلين الواعين والمدركين لطبيعة قضيتهم بالرغم من المحاربة والتصنيف والتهميش، ظلّوا صامدين ومقاومين للتيارات المعاكسة كتعبير منهم كون الفعل النقابي عندهم حق وواجب وتضحية...هذه صفات نقابيي أيام زمان حينما كان للعمل النقابي قيمته النضالية وكان الفاعل النقابي ينتدب نفسه ليواجه المخاطر عن طواعية، يصارع أمواج الظلم الطبقي والتحقير الاجتماعي آملا في الوصول إلى برّ الحق المشروع والعدالة الاجتماعية، يجازف ببطاقة ائتمانه من أجل أن يعيش غيره كريما، يناور الوحوش الكاسرة في حلبة كانت تفتقد لأدنى شروط المبارزة العادلة.
ولعلّ المتتبع للشأن النقابي الفوسفاطي سيستشف من خلال الرؤية العميقة للوضع العام أنه من بين أسباب خفوت المشهد النقابي وعدم وضوحه؛ تقاطع مصالح بعض المسؤولين النقابيين مع الإدارة الفوسفاطية الذي أفرز تشكيل وعي نقابي في صفوف الشغيلة، أجهز بدوره على المصالح الشخصية والعلاقة النفعية بين المتدخلين، منتهجا أحيانا النقد اللاذع وأحيانا أخرى المقاطعة والعزوف النقابيين، ليحتدم الصراع في الهوامش وتضيع الجهود في السراب. كما أن احتكار المناصب القيادية والأفكار الاعتيادية للنقابات وعدم السعي إلى تشبيب الإطارات وبالتالي ضخ دماء جديدة في شرايين الممارسة النقابية على مستوى مراكز القرار، أثّر بالسلب على طموح وإرادة القواعد وذلك بإحساسهم بالدونية وعدم الأهلية، وهو مؤشر يوحي بتغييب التجديد في التصورات القائمة وأن النقابات ستظل مناسبتية الإجراء، لاتصنع الحدث وإنما تتفاعل مع ما تصنعه الإدارة، فتناقش المستجدات بهدف احتواء وتدجين الفاعل النقابي وتحجيمه وتقزيم دوره.
إن المستجدات الفوسفاطية الراهنة خصوصا ملف تفويت التغطية الصحية وما أفرزه من سجالات بشأن تغييب وإقصاء الفرقاء النقابيين، أيضا التحدّي الكبير الذي قد يضع الفعل النقابي وفاعله على المحك والذي يتجسد في إحدى الإشارات أو التأشيرات إذ صحّ التعبير الذي تضمّنها تقرير 2011 بخصوص إمكانية تحويل عقدة الشغل مدى الحياة إلى التعاقد المحدّد استجابة للشركاء الاقتصاديين ومسايرة للسوق الدولية. جميعها عوامل تفرض على جميع الفاعلين النقابيين الفوسفاطيين التفكير بجدية في تحديات المرحلة المقبلة بعيدا عن الحسابات الضيقة والحساسيات المفرطة بهدف حماية الشغيلة كمطلب أساسي فضلا عن الحفاظ على المكتسبات، وهذا لن يتأتى إلا إذا أصبحت الوحدة النقابية هدفا استراتيجيا في برامج وسلوك مختلف النقابات، كما يستلزم عليهم الاهتمام بالعامل البشري وتأهيله ليصبح فاعلا نقابيا مسلّحا برؤية نقابية وإجراء نضالي من أجل المساهمة في تفعيل العمل النقابي الفوسفاطي.