عبد الجبار الرشيدي: التعديل الحكومي جاء في مسار طبيعي من أجل إعطاء نفس سياسي

مؤسسة تعليمية بطنجة تحيي ذكرى المسيرة الخضراء تحت شعار "رسالة جيل لجيل"

البرلماني شهيد يقصف الحكومة: سرقتم البلاد وتريدون سرقة حتى التاريخ

نبيلة منيب تشيد بمغاربة هولندا وتوجه انتقادات نارية للحكومة

احجيرة: التعديل الحكومي ماشي للترضيات وإنما لتسريع وتيرة البرامج

السعدي: لن ننخرط في الحملات التي تسيئ لوطننا بسبب حسابات سياسية ضيقة

بأي ديمقراطية يحتفلون؟؟

بأي ديمقراطية يحتفلون؟؟

محمد المهدي

 

    لقد  مررت بالصدفة منذ بضعة أيام ،على خبر مفاده أن البرلمان العربي "المحترم" احتفل باليوم العالمي للديمقراطية، الذي يصادف الخامس عشر(15) من شهر شتنبر من كل سنة، وقد تم تخليده هذه السنة تحت شعار" تعزيز أصوات من أجل الديمقراطية ".

   وقد استغل السيد أحمد الجروان (رئيس البرلمان العربي "المحترم") هذه المناسبة العظيمة ليشنّف أسماع الحاضرين ـ وفي مقدمتهم السيد الأمين لعام للجامعة العربية "المحترم" بكلمات تقطر حلاوة وطلاوة حول الديمقراطية وحق الشعوب في التعبير الحر والعيش الكريم،كلمات ليس بينها وبين واقع المواطن العربي إلا الخير والإحسان. فقد أعرب في خطبته العصماء عن "تطلّعه إلى بناء علاقات تفاعل وحوار دائم بين البرلمان والمواطنين ومؤسسات المجتمع العربي، وسيادة القانون في كافة البلدان العربية والسعي إلى تطوير المؤسسات الديمقراطية ،خاصة على صعيد مؤسسات العمل الجماعي العربي "

   لم أتمالك نفسي من الضحك ، لكنه ـ مع كل الأسف ـ ضحك كالبكاء ، بكيت في قرارة نفسي خشية أن أساق إلى التحقيق بتهمة الجهر بالبكاء،مرددا مع المتنبي قولته الشهيرة :

أغايَةُ الدِّينِ أن تُحْفُوا شَوَارِبَكُمْ *** يا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِن جَهْلِهَا الأُمَمُ

   فأين هي الديمقراطية التي يحتفل بها هؤلاء البرلمانيون "المحترمون" الذين يمثلون دولا تساق معظم شعوبها بالعصا،وتخاطب بالوعيد والتهديد،ويعيش معظم مواطنيهـا في سجن كبير يسمى الوطــن! .

   أين هي الديمقراطية ومعظم البرلمانات العربية التي تشكل هذا البرلمان العربي "المحترم" لا تدري ما الديمقراطية، ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد بها، لأنها ـ بكل بساطة ـ لا تمثل روح الشعب الحقيقية، بل هي مجرد أيقونة تؤثث المشهد السياسي العربي ، من أجل تزيين الواجهة حيال الآخر في الغرب أو الشرق، ليشهدوا لنا زورا وبهتانا بتحقق الديمقراطية في العالم العربي،وبأن نعيمها يحـفّ الناس جميعا ،في أجواء من الحرية والكرامة و العيش الكريم، وبحق الناس في رسم مصيرهم السياسي والصناعي ومستقبلهم الحضاري بين أمم الأرض.

    أين هي الديمقراطية ومعظم البرلمانات العربية بل وأكثر أعضائها ممن تحسبهم أيقاظا وهم رقود، لا هم لهم سوى الظفر بما يتاح من امتيازات،وقد استطعموا البذخ والنعيم، فهم لا يحسنون إلا رفع الأيدي للتصديق على قرارات "من بيد السلطة"،ولتذهب الشعوب بعد ذلك إلى الجحيم ما دامت المنح والعلاوات وبـذل"النوم" تأتي في الوقت المحدد، بل ربما قد تزيد قيمتها كل حين .

     لكن المخيب للآمال أكثر أن البرلمانين العرب "المحترمين" قد أجمعوا على الاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية ب"مصر الانقلاب" التي ذبح حكامها من العسكر و الساسة الديمقراطية المحتفى بها على مرأى ومسمع من العالم " المتحضر" الذي أصمّ أذاننا بخطابه الزائف عن الديمقراطية والحرية ووو.

     مصر التي انقلب حكامها على الديمقراطية والشرعية بالحديد والنار في مجازر رابعة و النهضة ورمسيس، وغيرها من الجرائم التي ترقى إلى " جرائم ضد الانسانية"..ولو فعلوا ذلك في عهد الرئيس المنتخب المعتقل،وفي ظل الشرعية لكان الأمر مقبولا ومرحبا به،ولكن أن يفعلوا ذلك في عهد الانقلابيين من العسكر وأذنابهم من الساسة ،فإنها لمهزلة وعار ما دونه عــار، سَيَسِمُ جبين البرلمانيين العرب " المحترمين" بالذل والهوان في أعين الغرب وأعين منتخبيهم من العرب بل وفي أعينهم هم أنفسهم، لأن احتفالهم بهذه الصيغة إنما هو من قبيل التّشفّي والشّماتة المُبَطّنة بسقوط الديمقراطية المجهضة! وهو احتفال بعودة الجبرية والقهر بعد عام من الشرعية التي كانت الشعوب العربية تحلم بها .

    بأية ديمقراطية يحتفل هؤلاء البرلمانيون "المحترمون"، والعالم العربي كله غربا وشرقا، بين بلد ممزق الأوصال يمور بالفتن والحروب، وآخر يموت شعبه بالكيماوي على يد حاكمه الذي يفترض أنه موكل بحمايته،وبين بلد مضيّع يحتله الصهاينة منذ أمد بعيد، وبلد يبحث عن مخارج لترسيخ الديمقراطية، رغم تكالب أعداء الحرية و الوطن من الداخل و الخارج،وبلد يستحكم فيه العسكر و القهر من رقاب الناس،وآخر يستأثر فيه الحكام وأزلامهم بخيرات وثروات الوطن ،فيعيثون فيها نهبا وتبذيرا دون حسيب أو رقيب..وقد تبين من واقعنا المعيش أن المليارات من الدولارات لا تقيم عدلا في الأرض إذا كان القائمون على حفظ الأمانة غارقون في الفساد ، ولنا العبرة في خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه- حين كتب إليه بعض عمّاله ، يشكو إليه من خراب مدينته، ويسأله مالا لترميم مبانيها وشوارعها، فكتب إليه عمر- رضي الله عنه- قائلا:"قد فهمت كتابك فإذا قرأت كتابي هذا فحصّن مدينتك بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم فإنه يرمِمُها ".

    إن الديمقراطية سلوك وتربية يجب العمل على ترسيخها في أذهان الناس حكاما ومحكومين، نعم ،قد يلزمنا بعض الوقت من أجل ذلك، ولكن الأهم أن نبدأ ونستمر في العمل من أجل ذلك ، لأن التربية على الديمقراطية تتحقق عبر تراكمات إيجابية وسلبية، ولن يكتمل البناء الديمقراطي إذا ما كان البعض يبني والآخر يهدم ،وإلا فسنبقى في نفس الحلقة ،ولن نبرحها مادمت السماوات و الأرض . وقد صدق الشاعر بقوله:

متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يـهدم

     إن دولة المواطنة لا تقوم إلا على الديمقراطية الحقيقية التي أساسها العـدل ، و إنه لا يتعايش البناء و الاستبداد ،ولا الظلم والديمقراطية،وما دامت الشعوب مغيبة ومستبعدة عن المشاركة في البناء، فالعواقب ستكون وخيمة لا محالة، والنتائج لن ترضي إلا الأعداء المتربصين بالأمة.!

 

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات