الوقاية المدنية تسيطر على حريق مهول بأحد المطاعم الشعبية بوجدة

الجيش الملكي يجري آخر استعدادته لمواجهة الرجاء

المعارض الجزائري وليد كبير: ندوة جمهورية الريف تؤكد أن نظام الكابرانات أيقن أنه خسر معركته مع المغرب

كواليس آخر حصة تدريبية للرجاء قبل مواجهة الجيش الملكي في عصبة الأبطال الإفريقية

المعارض الجزائري وليد كبير يفضح نظام الكابرانات ويكشف أدلة تورطه في اختطاف عشرات الأسر بمخيمات تندوف

الحقوقي مصطفى الراجي يكشف آخر التطورات في قضية المدون الذي دعا إلى "بيع" وجدة للجزائر

إصلاح التعليم بالمغرب ، ممكن ... لكن !!

إصلاح التعليم بالمغرب ، ممكن ... لكن !!

الصادق بنعلال

 

 

( هناك إكراهات و مشاكل و أيضا إمكانيات الإصلاح ، و هو ما يدفعني إلى القول بالتفاؤل المأساوي ، فبالرغم من المشاكل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، فهناك دائما باب مفتوح للإصلاح ، و النهج الإصلاحي لا يتعب ، و يمكن التقدم نحو الافضل ) .

د . عبد الله ساعف : جريدة العلم – 18/01/1999

1  -  منطلقات مبدئية : نصدر من خلال ملامستنا لراهن النظام التعليمي المغربي عن حزمة من التصورات و المحددات الرؤيوية، التي من شانها أن تساعدنا على استجلاء و استقراء حقيقة المنجز التعليمي الوطني ، و لعل أهم هذه المنطلقات هو أن التعليم يشكل مكونا محرقيا في حياة الأمم و المجتمعات قديما و حديثا ، كما أن التطلع نحو تجسيد تنمية شاملة وإقلاع حضاري فاعل إنما يرتهن بوجود نسق تعليمي نوعي ، و كيان سياسي و سوسيو – اقتصادي وازن ، خاصة و نحن ندرك أن التعليم بمثابة نقطة ارتكاز النهوض البشري ، و مقياس بالغ الدقة يعكس مدى تقدم الأمم و تأخرها في حلبة التنافس العلمي و التكنولوجي و الثقافي .. و معلوم أن الدول العظمى ينصب اهتمامها أبديا على تجديد الوسائل و المناهج و الاستراتيجيات البيداغوجية في مسعى للصراع على القمة و الهيمنة الاقتصادية و العسكرية و السياسية . و أسباب نزول هذا الكلام كثيرة ، أقلها خطاب العاهل المغربي بمناسبة " ثورة الملك و الشعب " ، و الذي أثار زوبعة من المقالات و الحوارات ذات الصلة بالوضع الكارثي للتعليم العمومي الوطني ، و من جملة ما جاء في هذا الخطاب الاستثنائي و الانتقادي : ( ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا ، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة ) .

2  -  خطاب الأزمة : إن نظرة خاطفة على ما ينشر من دراسات و مقاربات جادة حول الموضوع المقصود بالمعاينة ، تجعلنا نستنتج دون عناء يذكر أن هناك شبه يقين بانحدار التعليم المغربي ، و فشله الذريع في تحقيق الأهداف المنوطة به كما و كيفا ، من قبيل تعميم التمدرس و تكافؤ الفرص و الاستفادة من تعليم عصري يتسم بالجودة ، و يتلاءم و مستلزمات الحداثة و سوق الشغل . و لعل تقارير المؤسسات الوطنية (التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ) ، و التقارير الدولية (البنك الدولي ) تغني عن أي إبحار في عالم الأدبيات التربوية المغربية للتأكد من هزالة " المحصول المدرسي" ، إلى درجة أفضت بالبعض إلى " الاقتناع " بان إمكانية إصلاح التعليم بالمغرب أضحت مستحيلة . فما هي العوامل الكامنة وراء هذا الإحباط القاتل ؟ و هل فعلا فقدنا الأمل في إحياء مدرستنا العمومية على و جه الخصوص ، و عودتها إلى لعب أدوارها الطلائعية في تكوين الناشئة و تأطير المتعلمين و إعدادهم إلى بناء مغرب الغد ؟ ليست أزمة التعليم وليدة اليوم بقدر ما أنها ضاربة في التاريخ المعاصر ، فمنذ استقلال المغرب سنة 1956 و الحديث عن إصلاح المنظومة التربوية لم يتوقف ، جراء إقحامه في الشأن السياسي و الصراعات الأيديولوجية الظرفية و تضارب مصالح الفاعلين في الشأن المجتمعي ، و إذا اقتصرنا على العقد الاخير من تاريخ المملكة الحديث أدركنا أن جهودا فرعونية بذلت من أجل تدارك الخلل و تجاوز المعيقات المكبلة لأي انطلاقة فعلية نحو الأفضل ، و لعل الميثاق الوطني للتربية و التكوين (1999) قد مثل دستورا تربويا بحصر المعنى ، إذ جاء نتيجة عمل تشاركي و توافقي ، شاركت في صياغته كل مكونات الشعب المغربي باختلاف الحساسيات الثقافية و الأيديولوجية و السياسية . و إذا أضفنا إلى جانب ذلك باقي النصوص و القوانين و الوثائق بالغة الأهمية ، و على رأسها المخطط ألاستعجالي (2009-2011) ، و الخطب الملكية و الدستور المغربي الجديد (2011) والتصريح  الحكومي الأخير (2012) سنجدها تتوافق و القوانين التربوية العالمية ، دون أدنى مبالغة مجانية ، و لئن كان بعض المعنيين بالشان التربوي يشتكون من قلة الموارد المادية ، و ضعف الميزانية المخصصة لمجال التعليم ، فإن المملكة المغربية قد وضعت رهن إشارة وزارة التربية و التعليم في السنوات الأربعة الأخيرة أغلفة مالية فلكية ، من أجل انتشال المنظومة التعليمية من مخالب الانهيار المأساوي ، رغبة في تكوين و تاهيل الموارد البشرية و " مكننة " المعطى البيداغوجي و توفير مستلزمات تكنولوجيا الإعلام الحديث .. دون تحقيق أي تقدم ملموس كما و كيفا ، فما العمل !؟

3  -  خطاب الإصلاح : و في خضم ركام هائل من " القراءات " المجمعة على قتامة واقع و أفق التعليم المغربي ، و عدم " جاهزيته"  لتقبل أي علاج يخرجه من قاعة العناية المركزة ، نجد عددا غير قليل من المعنيين بقضايا التعليم الوطني و الدولي ، و الذين يتطلعون  إلى اجتراح حلول أكثر نجاعة و عقلانية ، بعيدا عن النزعة العدمية الموغلة في الانشغالات السياسوية الضيقة ، و من أبرزهم الباحث الجامعي و الأستاذ المجتهد الدكتور عبد الله ساعف ، و الذي تقل منصب وزارة التعليم الثانوي و التقني في عهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي . و لعل المقطع الذي فضلنا أن نستهل به هذه المقالة ، تبرز بجلاء ما أسماه الباحث بالتفاؤل المأساوي ، الذي يجمع بين الوعي الجدلي و العميق بهشاشة المنظومة التعليمية ، و التسلح بالرؤية الإنسانية المؤمنة بالإصلاح و التجديد و الوصول إلى بر الأمان .. و صاحب هذه السطور يؤمن دون ادعاء مصطنع ، بإمكانية حقيقية لتجاوز الباب المسدود الذي و قف عنده " نسقنا " التعليمي ، كما أنه متيقن بأن نهضة تاريخية للجسم المدرسي و الجامعي لا تقتصر على عقد اللجان و تنظيم المؤتمرات و المناظرات التربوية ، و إخراج مواثيق و قوانين و نصوص جديدة ، و تجديد الوسائل و الطرق البيداغوجية المتجددة باستمرار .. فعلى الرغم من أهمية هذا المنحى ، فإننا مطالبون بإحداث إصلاح سياسي حقيقي ، يتخذ من الديمقراطية مبتدأه و خبره ، بدايته و منتهاه ، لأنه لا يمكن إصلاح التعليم في أي بلد من دون إصلاح الحياة السياسية العامة ، كثيرة هي الجهود المادية و المعنوية  المضنية التي بذلت من أجل رؤية الضوء في آخر نفق منظومتنا التعليمية ، بيد أننا كنا نقف في وسط الطريق ، لم نهتم بحال من الأحوال بما يسمى في عالم التجارة و التسويق ب " خدمة ما بعد البيع " ، فهل قمنا بتتبع المشاريع الهيكلية و العملاقة التي كلفت المغرب غاليا ؟ هل تم التنفيذ الفعلى و المحكم للمناهج التربوية  التي اتخذناها أدوات مساعدة لأجرأة المنجز المدرسي ، من قبيل التعليم بواسطة الأهداف و التعليم بالكفايات و بيداغوجيا الإدماج ؟ و قبل كل ذلك هل تمت قراءة حصيفة و مسؤولة لميثاق التربية و التكوين بما يساعد على فهم أنضج للفلسفة التربوية الوطنية ؟ هل تم الاعتناء بالموارد البشرية بشكل علمي يخولها التعامل السلس و المنتج  مع وسائل التكنولوجيا الحديثة ، و مستجدات البحث العلمي  ؟  و هل دعمنا العاملين المتفوقين في القطاع و نبهنا المتقاعيسن منهم ؟ و هل كل الأطر الإدارية و التربوية العاملة الممارسة الآن لمهنة التعليم تتوفر على ما يكفي من الكفايات الثقافية و التشريعية و البيداغوجية و الأخلاقية ؟ هل تسند المناصب الكبرى و الصغرى لمن هو أجدر و أحق بها  ؟ هل نضع الرجل المناسب في المكان المناسب لتحمل المسؤولية التعليمية ؟ هل تتم مراقبة و محاسبة الإنجاز التربوي للمدرسين و الأطر الإدارية بشكل منظم و منهجي بعيدا عن ذهنية حملات التطهير المناسباتية ؟ ... يؤلمني أن أقول بأن الجواب على  كل هذه الأسئلة و ما يماثلها ستكون بالنفي المطلق . مأساتنا نحن في مغربنا العزيز أننا نبذل قصارى جهدنا في البحث و التخطيط و البرمجة .. و نظل ننتظر في مفترق الطريق ، الذي يأتي و لا يأتي . فليجرب مسؤولو قطاع التربية و التعليم الوطني ، و لو مرة واحدة ،  الانتقال من فضاء الأقوال إلى عالم الأفعال الملموسة و الموضوعة تحت المراقبة و المحاسبة الدائمتين ، إنه لا ينقصنا اللعب الجيد ، بل ينقصنا تسجيل الأهداف الإستراتيجية و التاريخية ، و كم كان شاعر العرب أبو الطيب المتنبي محقا و هو يصدح  في ميميته الشهيرة بحكمته البالغة الدلالة :

و لم أر في عيوب الناس عيبا                        كنقص القادرين على التمام

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات