عصام العباري
أصبح من السهل أن تحيز لقب "المتآمر" أو "تكفر سياسيا" بمجرد جرأتك على فتح باب النقاش حول ما يعتبره البعض معتقدات ومسلمات يحذر رفع الستار على قدسيتها، أو بمجرد أن تنتقد تيارا يرى في أطروحته صك الخلاص لهذا الشعب .
وهذا واقعنا المعيش اليوم بعد التضارب الذي صاحب موضوع اللغة الدارجة والعربية ، وهو النقاش الذي اختزل مضمونه في منمنيقود هذا الحراك ، وأصبحت سيرة وإيديولوجية هذا الشخص طاغية على النقاش المفترض أن يصاحب مثل هذه الأطروحات الجريئة ،والتي استطاعت فك اللجام عن موضوع اللغة وارتباطها بمنظومة التدريس ، بعد سنوات من التقهقر في اتخاذ موقف رسمي وحاسم حيال لغة التدريس ،منذ نقاش التعريب
فقد اعتبر البعض أن فتح النقاش حول الموضوع في هذه الظرفية خصوصا، تشويش على الأوراش الكبرى المفتوحة ،ومنها محاربة الفساد ،والتنزيل الديمقراطي والفعلي للدستور، دون حاجة البعض إلى الاطلاع على مضامين المذكرة فقد كان اسم من ورائها كافيا ، ليختزل المضمون في نظرية مؤامرة تستهدف الهوية وتهميش اللغة العربية لصالح الدارجة ،وهو الطرح الذي لا يعتبر إلا الشجرة التي تخفي ورائها الغابة ، المنتقدون يرون بأن هناك أياد فرنكوفونية هي المحرك الأساسي لهذا التوجه ،وجهود من أجل البقاء، بعد الانحدار الذي بدأت تشهد فرنسية في مقابل الإنجليزية .
اللغة العربية حسب المنتقدين للمذكرة لغة استكملت نضجها، وتملك كل مقومات اللغة المتجددة ، إلى جانب أنها اللغة الرسمية للبلاد بحكم الوثيقة الدستورية ، وإعتماد اللهجة الدارجة كلغة للتدريس إستهداف للهوية وتقوقع معرفي وفكري ، في زمن اللغات العالمية
فيما يلجؤ الطرف الثاني إلى منهج التكفير واعتبار كل منتقد للطرح ، إلجام وتكميم للأفواه ، وكفر بالديمقراطية وظلامية في التعامل مع الأفكار النيرة ، وخصوصا وان موضوع الدارجة يأتي في سياق الخطاب الملكي الذي أشار بأصابع الإتهام لمنظومة التعليم ، وهو ما يعتبره أصحاب الطرح سندا كافيا وإشارة ضوء أخضر لتقديم الطرح البديل بعد أن أثبت المنهج المعتمد حاليا فشله
سجال رغم محاولة البعض تسفيهه والوصاية على مضامين النقاش العام ، يبقى مما تتطلبه مرحلة البناء والتأسيس التي نعيشها ، وباب من أبواب خلخلة المعتقدات والمسلمات وتكسير للطابوهات التي شكلت لسنوات خطا أحمر يحذر تجاوزه
فالإصلاح لم يكن يوما رهين قطاع دون قطاع ، فهو دينامية مجتمعية شاملة تتكامل فيما بينها ، لبنات متراصة بعضها فوق بعض لتشكيل حصن منيع ضد أي إختراق ، والإكتفاء بلبنة دون أخرى ثغر من ثغور الهون وتعجيل بإنهيار هذا الحصن
فمهما اختلف المختلفون ، ومهما كانت جرأة البعض وتحفظ الأخر ، لابد وأن يعلوا منهج النقاش والحوار ، ليبقى جواب السؤال هو صناعة الطرح البديل المقنع دون تخوين أو تكفير فقط لغة الحجة والدليل والبرهان هي ما يجب أن يكون حاضرا، وللشعب أنذاك كلمته وإختيارته وحكمه على الطرحين