أحمد حجاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنها شجرة طيبة مباركة، جميلة جمال العرائس، حنون حنو المرضعات، كريمة كرم الأجاود، اخضرارها لا ينقطع، وأوراقها لا تتساقط، ظلها دائم، وانتاجها وافر، يجد الفقير فيها طعامه، والمسافر ملاذه، والمغترب ملجأه.
إنها شجرة قوية، صامدة صمود الأبطال، ثابتة ثبات الأقوياء، لا تعرف الاستسلام، فالرياح العاتية لا تنال منها، والعواصف الشديدة لا تؤثر عليها، والحرارة المفرطة لا تغير من حالها.
إنها النخلة ، شجرة كلها خير، كل جزء فيها له فوائد جمة، ومنافع عظيمة: ثمارها، سعفها، ليفها، ساقها، خوصها عرجونها، نواها.
ولقد جاء ذكر النخلة في كتاب الله العزيز في كثير من السور، منها قوله تعالى في سورة الرعد: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْع وَنَخِيل صِنْوَان وَغَيْر صِنْوَانٍ تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأكلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[الآية 4] ، وقوله عز وجل في سورة ق: ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ﴾.[ الآية: 10]
كما ورد ذكرها أيضا في أحاديث كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. عن عبد الله بن عمر ــــ رضي الله عنهما ــــ أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إن من الشَّجَرِ شَجَرَة لاَ يَسْقطُ وَرَقها، وهي مثلُ المسلمِ، حدِّثوني ما هيَ. فوقعَ الناسُ في شجرِ الباديةِ، ووقعَ في نفسي أنها النَّخْلَةُ، قال عبدُ الله : فاسْتَحْيَيْتُ، فقالوا : يا رسولَ اللهِ، أخبِرنا بها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : هي النَّخْلَةُ. قال عبد الله: فحدثتُ أبي بما وقعَ في نفسي، فقال: لأن تكون قُلْتها أحبُّ إليَّ من أنْ يكون لي كذا وكذا)[ صحيح البخاري].
إن بين النخلة والمسلم أوجه تشابه كثيرة، فكما أن النخلة صامدة ثابتة، فكذلك المسلم، إنه ثابت القلب، قوي النفس، رابط الجأش، لا ينهار إذا حلت به الشدائد، ولا يهتز إذا أحاطت به الأزمات، ولا يقنط إذا تكالبت عليه الخطوب، يتسلح بالصبر، ويرضى بالقدر، ويتحصن بالإيمان. يقول صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمرِ المؤمنِ. إن أمرَه كلَّه خيرٌ. وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ. إن أصابته سراءُ شكرَ. فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراءُ صبر. فكان خيرًا له) [رواه مسلم]
والمؤمن يشبه النخلة في نفعها وطيب قلبها، فهو يساعد الفقير، ويرفق بالضعيف، ويعفو عن المخطئ، لا مكان للضغينة أو الحسد أو العداوة في قلبه، يتعاون مع كل من يريد الخير للناس، ويسارع لقضاء حوائجهم. معاملاته طيبة، وأفعاله محمودة.
عن عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثلُ المؤمنِ مثلُ النخلة، ما أخذتَ منها من شيٍء نفعَك)[السلسلة الصحيحة للألباني/ موقع الدرر السنية]
والمؤمن يشبه النخلة في دوام اخضرارها، فكلمته لا تتغير، وموقفه لا يتبدل، يقول الحسن البصري رحمه الله: «تلقاه العام بعد العام وهو على كلمة واحدة، وعلى نية واحدة وعلى عمل واحد أما المنافق فيتلون».
والمؤمن عالي الهمة، كعلو النخلة، لا يرضى بصغار الأمور، بل يطمح دائما إلى المعالى، ويسعى إلى أسمى الأهداف وأعلاها ، يتعالى على النقائص، ويترفع عن الصغائر.
والنخلة جميلة المنظر، وكذلك المسلم جميل الهيئة، وضيء الوجه، مبتسم الثغر، بشوش الوجه، لا يعرف التجهم والتعبس، من رآه انشرح له صدره، ومن عاشره ارتاحت له نفسه.
وقد ذكر العلماء أوجه شبه أخرى كثيرة منها:
« سهولة تناول ثمرتها وتيسره أ ما قصيرها فلا يحوج المتناول أن يرقاها وأما باسقها فصعوده سهل بالنسبة إلى صعود الشجر الطوال وغيرها فتراها كأنها قد هيئت منها المراقي والدرج إلى أعلاها، وكذلك المؤمن خيره سهل قريب لمن رام تناوله لا بالغر ولا باللئيم. »[ ابن القيم/ مفتاح دار السعادة]
« ان النخلة كلما طال عمرها ازداد خيرها و جاد ثمرها و كذلك المؤمن إذا طال عمره ازداد خيره و حسن عمله»
« ان النخلة كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم لا يسقط ورقها وكذلك المؤمن لا تسقط له دعوة»
« ان النخل بينه تفاوت عظيم في شكله ونوعه وثمره، وبعضه أفضل من بعض، وهكذا الشأن بين المؤمنين، بينهم من التفاوت والتفاضل الشيء الكثير.»[ تأملات في مماثلة المؤمن للنخلة/عبد الرزاق البدر/ بتصرف]
والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.