بقلم الاستاذ:محمد اليوسفي
يدور النقاش هذه الايام، حول مشروع الدستور، والذي سيتم استفتاء الشعب عليه في بداية يوليوزالقادم، وقد تعددت زوايا التفكيروالمقتربات حول هذه الوثيقة، بين المقترب السياسي، الحزبي ، الهوياتي ،الحقوقي والاقتصادي وغيرها من المقتربات. وقد اراتاينا في هذه الدراسة مقاربة مشروع الدستور الجديد من زاوية الفقه الدستوري، من خلال تناول جوانب من مفهوم النظام البرلماني كما تم تاصيله في بيئته الاولى، والبحث عن طبيعة النظام السياسي المغربي في مشروع الوثيقة الدستورية هل هو برلماني ؟وهل يستجيب لخصائص ومقومات النظام البرلماني ام هونظام خاص ...
ومساهمة في اثراءهذا النقاش العلمي، وعلاقة هذا المشروع باحدى اعرق الانظمة السياسية الكلاسيكية المتمثلة في النظام البرلماني المتميز بمبدا الفصل المرن بين السلطات ، لا بد من القول بداية ان بريطانياتشكل المهد الاول للنظام البرلماني ، والذي اتى كتطور للنظام السياسي لهذا البلد عبر التاريخ هذا النظام يتميز بعدة خصائص :
1-الخصائص العامة للنظام البرلماني :
النظام البرلماني هو النظام السياسي الذي تكون العلاقة بين مؤسستي التنفيذ والتشريع فيه قائمة على اساس الفصل المرن بين المؤسستين عضويا ووظيفيا ،قوامه التعاون والتوازن المتحقق عن طريق تبادل التاثير المميز اساسا بمسؤولية الحكومة اما م البرلمان، ويقوم النظام البرلماني على اساس توفر خصائص جوهرية ترد على مؤسساته الاساسية ،هي التي تعطيه صفته البرلمانية ،وخصائص اخرى ثانوية مستقاة من النظام البرلماني الاول لا يؤدي عدم توفرها لوصف النظام السياسي بالابرلمانية .
-وجود رئيس اعلى للدولة والى جواره رئيس الحكومة :
يتوفر رئيس الدولة على عدة صلاحيات يمارسها في مجالات عديدة وخاصة في المجال التنفيذي ،ولكن ممارسته لصلاحياته، لا تتم عادة الا بواسطة الحكومة المؤهلة عمليا في هذا النظام للقيام بمهام واختصاصات السلطة التنفيذية،وقد ادى تطورهذا النظام في موطنه الاصلي بريطانيا الى تواري رئيس الدولة خلف الحكومة ،فاصبح يسود ولا يحكم ،يمارس صلاحيات جد محدودة ،الامر الذي يجعله منطقيا غير مسؤول سياسيا وجنائيا في الانظمة الملكية عادة اكمالا للقاعدة التي تقول "حيث لا توجد سلطة لا توجد مسؤولية".واذا كان رئيس الدولة في هذا النظام يعتبر نظريا رئيس للسلطة التنفيذية ،فان رئيس الحكومة هو الذي يعتبر عمليا رئيسها، ولذلك فهو يتمتع بمكانه كبرى ويمارس عدة صلاحيات، وهوالمتحمل للمسؤولية سياسيا الى جانب الوزراء المكونين للحكومة .
-رئيس الدولة هو الذي يعين رئيس الحكومة :
يتوفر رئيس الدولة في هذا النظام على صلاحية تعيبن رئيس الحكومة ،ولكنه لا يملك الحرية في تعيين الشخص الذي يرغب هو في اختياره رئيسا للحكومة ،بل يكون عادة مجبرا على تعيين رئيس الحكومة من اعضاء الحزب الفائز باغلبية المقاعد في البرلمان ،وقد يكون رئيس الحكومة نفسه قائدا للحزب صاحب الاغلبية البرلمانية،واذا لم يكن للاحزاب السياسية دورا كبيرا في الحياة السياسية داخل البلاد ،فان رئيس الدولة يكون مضطرا الى تعيين الشخص الحائز على تقة البرلمان كرئيس للحكومة ،لكن حرية الرئيس تكبر كلما كان عدد الاحزاب كثيرا ،ولا يتوفر اي حزب على الاغلبية داخل البرلمان ،الا انه لا يملك ان يعين مع ذلك الا من يحضى بالقبول من طرف الائتلاف الحزبي المكون للاغلبية البرلمانية.
-رئيس الحكومة يختار وزراءه :
كما قلنا سابقا يقوم رئيس الدولة بتعيين رئيس الحكومة بالكيفية السالفة الدكر، وبعد هذا التعيين يتولى رئيس الحكومة اختيار وزراءه ،وله في ذلك السلطة التقديرية الواسعة لا تحد ها الا الاعتبارات الحزبية وقواعد السلو ك التي يسير عليها الحزب اوالائتلاف الحزبي المشكل للاغلبية داخل البرلمان ،ولا يملك رئيس الدولة ان يعين كوزراء الا الاشخاص الذين اختارهم رئيس الحكومة، والهدف من ذلك هو تقوية ارادة رئيس الحكومة على ارادات بقية الوزراءتمكنه من لعب دور موجه ومنسق لعمل الحكومة .
-الحكومة وحدة متجانسة ومتضامنة :
ان الحكومة المكونة من رئيس ووزراء يعملون جميعهم كوحدة متجانسة، سواء في مايخص اعداد السياسة العامة،او تنفيذ هذه السياسة، او الدفاع عنها امام البرلمان، اوامام الراي العام، او اما م اي جهة من الجهات وهو مايقتضي ان يشتغل اعضاء الحكومة جميعهم بكامل التضامن .
-الوزراء اعضاء في البرلمان :
ينتمي الوزراء في النظام السياسي البرلماني الى البرلمان كاعضاء فيه تم انتخابهم من طرف الشعب ،فالحكومة في بريطانيا مهد النظام البرلماني تتكون من رئيس الحكومة والوزراء الذين هم قبل كل شيئ اعضاء في البرلمان ،لكن الملاحظ ان هذه القاعدة لم تعد تطبق في بعض الانظمة البرلمانية حتى لا يقع تنافس بين بين اعضاء البرلمان من الاغلبية في التسابق على الحقائب الوزارية ،الامر الذي سيؤدي الى ضعف تماسك الاغلبية وزعزعة الاستقرار الحكومي.
الحكومة مسؤولة امام البرلمان :
تعتبر الحكومة المسؤولة عمليا امام البرلمان، لانها هي صاحبة السلطة التنفيذية الفعلية ،وقد تكون مسؤولة في بعض الاحيان امام رئيس الدولة في بعض التجارب البرلمانية التاريخية والمعروفة بالبرلمانية الثنائية(كان النظام البرلماني في ظل الملكية الاورليانية بفرنسا نظاما ثنائيا ،ملكية لويس فليب لسنة 1830)ماذا تعني المسؤولية السياسية للحكومة في ظل النظام البرلماني؟ ،تجدر الاشارة الى ان المسؤولية السياسية للحكومة هي تضامنية في حالةما اذا تعلق الامر بقضايا السياسة العامة او بتصرف من رئيس الحكومة وقد تكون المسؤولية فردية وتنحصر في وزير واحد ،كما يمكن اسقاطهاا و تستقيل اذا فقدت الحكومة ثقة البرلمان اوصوت البرلمان بالايجاب على ملتمس الرقابة المقدم ضد الحكومة من قبل اعضاء البرلمان .
-حل البرلمان من طرف رئيس الدولة بناء على طلب من طرف الحكومة :
من اجل تحقيق التوازن بين سلطتي التنفيذ والتشريع، تم ايجاد الية تحقق هذا التوازن،وهذه الالية هي اخضاع الحكومة لمسؤولية سياسية امام البرلمان، واعطائها في ذات الوقت امكانية التقدم بطلب لرئيس الدولة ليقوم بحل البرلمان ،
هذه الخصائص العامة ،تم استخلاصها من التجربة البرلمانية الاولى التي كانت في بريطانيا مهدها الاول ،لكن تجارب برلمانية اخرى احتفظت ببعض الخصائص، واهملت تطبيق البعض الاخر ،ومع ذلك يمكن اعتبارها انظمة برلمانية اذا ما احتفظت بخاصيتين جوهريتين :
مسؤولية الحكومةامام البرلمان.
وحل البرلمان من طرف رئيس الدولة بناء على طلب من الحكومة.
ولذلك ،للحكم على نظام سياسي ما بكونه برلمانيا، يستلزم توفره على الخاصيتين الجوهريتين السابقتين ،وهناك عدة تجارب تتوفر فيها على بعض الخصائص، لكنها دون الخصائص الجوهرية مما يصعب معها الحكم عليها بالبرلمانية .
بعد استعراض الخصائص العامة والجوهرية للنظام السياسي البرلماني ،الى اي حد تتوفر هذه الخصائص في مشروع الدستور1 201
يتكون مشروع الدستور الجديد من 180 فصلا ،جاء في الفصل الأول "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية، برلمانية، واجتماعية".
"والنظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة،يؤكد هذا الفصل على الفصل بين السلطات الثلا ث: التشريعية ،القضائية والتنفيدية، لكن يبدوا من فصول اخرى من الدستور ان المؤسسة الملكية تحتفظ بصلاحيات واسعة مع تعزيز صلاجيات الوزير الاول الذي سيسمى "رئيس الحكومة" وسيتم تعيينه "من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب".وسيمنح رئيس الحكومة خصوصا صلاحية "حل مجلس النواب" كما هو مبين في الفصل 104"يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية بمرسوم يتخذ في المجلس الوزاري" الجديد هو حل البرلمان ايضا من طرف رئيس الحكومة في المراجعة الجديدة، وينص الدستور الساري حاليا على ان حل البرلمان من صلاحيات الملك حصرا.
اذا قلنا ان النظام السياسي المغربي برلماني، يعني ذلك ،انه يتوفر على خاصية وجود رئيس الدولة يمارس اختصاصاته بواسطة حكومة مسؤولة امام برلمان منتخب من الشعب ،يمكن ان يمنحها الثقة فيبقيها اويحجب عنها ثقته فيسقطها، وتملك هي ان تطلب الى رئيس الدولة حله للاحتكام الى الشعب في صورة انتخابات، وهذه الخاصية غير متوفرة، ذلك ان الملك يسود ويحكم، ويملك صلاحيات وسلطات واسعة،بينما رئيس الدولة في الانظمة البرلمانية يسود ولا يحكم، والحال ان للملك صلاحيات في المجال التشريعي، على سبيل المثال : -الفصل 48رئاسة الملك المجلس الوزاري- الفصل 50 : "يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة"- الفصل 51للملك حق حل مجلسي النواب بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب والمستشارين ورئيس المحكمة الدستورية - 52 : "للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان، ... ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما"- الفصل 95 : "للملك أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون، وكذلك في المجال القضائي - الفصل 124 : "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك". "
- الفصل 107 : "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية".
- الفصل 113 : "يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على ... استقلال القضاة وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم"- الفصل 115، وكذلك الفصل 56 : "يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية".
- الفصل 57 : "يوافق الملك بظهير على تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية".
- الفصل 107 : "الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية".
وفي المجال الاستراتيجي ،الامني، المجال العسكري والمجال الديني :
الفصل 53 : "الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية- الفصل 41 "الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملّة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية"- الفصل 42 "الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة،وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، لكن هذا لا يمنع من وجود بعض مقومات النظام البرلماني في مشروع الدستور الجديد منها :
- تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب الاغلبي في البرلمان واختيار رئيس الحكومة للوزراء الذين سيشكلون الحكومة وسيكون من حقه إقالة أي وزير في الحكومة ، وللملك أيضا حسب مشروع الدستور أن يعفي أي وزير باستشارة مع رئيس الحكومة، حيث يقول الفصل 47 : "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب ... ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها". لكن هذا الفصل يضيف : "للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم". وحق الإعفاء هذا يعني أن الملك هو الذي يتحكم في أعضاء الحكومة، وليس رئيس الحكومة. كما ان الحكومة مسؤولة امام البرلمان كما يمتلك رئيس الحكومة امكانية حل البرلمان، كما هو مبين في الفصل 104.
خلاصة:
يبدوا انه من الصعب الحكم على النظام السياسي الذي اتى به مشروع دستور 2011 ، بالبرلمانية ،رغم وجود بعض مقوماتها ، بل نستطيع القول انه نظام خاص، حيث سلطة الملك تُهيمن على السلطة التنفيذية للحكومة ،مع تعزيز هذه الاخيرة بصلاحيات جديدة ، مع الاخذ ببعض اليات الانظمة السياسية الغربية وتطبيع هذه الميكانيزمات مع طبيعة النظام الملكي، وهو نظام للتوافق مع خصوصية اوضاع القوى السياسية والاجتماعية والعاملة على استمرار توازنها في افق تحقيق الديمقراطية تنسجم مع مستوى تطور الثقافة السياسة في المجتمع المغربي .
.
.